-A +A
أحمد عجب
كان صباح العيد مختلفا، ليس كأي صباح، كل شيء من حولنا كان يبعث للفرح، الثياب الجديدة، والعطور والهدايا ووجوه الأطفال الضاحكة والمستبشرة، حتى حفاوة الجيران وسكان الحي كانت مشعة وسبقت في إطلالتها بزوغ شمس الصباح، كانت تنبئ بيوم دافئ وجميل، يوم نعطي فيه لأنفسنا المجهدة مساحة من السعادة وحب الحياة، لكننا ما إن أخذنا أماكننا في مصلى العيد وفرغنا من الصلاة وبدأ الإمام يخطب، حتى بدأت رسائل التحذير والوعيد من مغبة المبالغة في الفرحة، وأن علينا عدم الانسياق خلف ملذات الدنيا بما فيها الفعاليات والمهرجانات التي قد تقام، وأن الأولى من ذلك أن نفكر في عذاب القبر وفتنة المسيح الدجال، وإذا كان هناك من شيء يستحق الاهتمام في هذه اللحظة فهو التفكير في كيفية العمل على إتمام صيام الستة من شوال، ظل الخطيب يردد ذلك بصوت عال حتى كدنا أن ننسى بأننا في أيام عيد !؟
لا أدري كيف أصف لكم شعوري المحبط وأنا خارج من ذلك المصلى، وكيف غطت الغيوم السوداء وجوه الناس من حولي، كنا ننتظر كلاما غير الذي سمعناه، خاصة وأننا أتممنا للتو شهرا من الصيام والقيام، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد شرع لنا عيدا بعد قضائه، فكيف يظهر من بيننا من يفسد حلاوة هذا العيد، هكذا باختصار تختطف أجمل أفراحنا ويتم التقليل من أهمية حياتنا وبقائنا على هذا الكوكب، وهكذا توجه بوصلة أفكارنا نحو الدار الآخرة بكل تنطع، ثم نأتي مع كل عمل إرهابي لنتساءل باستغراب من أين ظهر هؤلاء ومن يقف خلفهم وما هي غايتهم، ليس هذا فقط، بل ونصدق من يحاول إيهامنا بأن هناك أسبابا أخرى، مثل الألعاب الإكترونية أو الفراغ النفسي الذي كان يعيشه منفذ الهجمة، وننسى كليا دور المنابر والمخيمات الصيفية وبعض المناهج الدراسية التي تؤسس على الدوم لجريمة اغتيال الحياة بأسرها !؟

علينا أن نتغير جميعا، وأن نقبل على الحياة ونحبها أيضا على الأقل شكرا لنعم الله التي وهبنا إياها، لا يوجد من بيننا شخص يستثنى من هذه المسؤولية، كلنا ندخل بشكل أو بآخر تحت دائرة المسؤولية،
والحمد لله أن تلك الصدمة لم تدم طويلا، حيث أفقت منها بمجرد وصولي أنا وعائلتي إلى بيت أخي الكبير (أبو عبدالله) وبحضور الوالدة ربنا يطول في عمرها ويرزقنا برها، هناك كان للفرح معنى آخر، تبادلنا النكات والتعليقات والنوادر القديمة، كان ذلك قبل دخول ابني الصغير (فارس)، الذي هجم بكل فرح على صحن الحلوى، ولكن قبل أن يضعها في فمه نهرته بصوت عال أن يكف عن هذا لأن (ثوبه الأبيض) سوف يتسخ ويتعرض للعقاب الشديد من قبل والدته، نعم أنا محدثكم من قال له ذلك !!، وكأنني أكمل رسالة ذلك الخطيب المتشدد في التحذير من مغبة الفرح، بقيت أردد ذلك على ابني دون أن أشعر، حتى قال لي أحد الحاضرين «لقد صدمت الولد وأخفته، دعه يفرح إنها أيام عيد»!؟