-A +A
علي بن محمد الرباعي
في آخر يوم من رمضان اختتمت القرية موسم الحصاد. داست الثيران عقد القمح. انفصل الحب عن سنبله. بدأت حيازة الديّسة والأصوات ترتفع (جريننا وما فيه وما ضمت حواشيه. البركة آهي فيه). في طرف المصبّر أيادٍ تذرّي وألسن تردد (يا رياح السعد هبي وانصبي عيدانها). يتولى الصبية حمل العلف إلى السفول. فيما كبار السن يملؤون أكياسا بالحنطة ويخيطونها وينقلونها.
عادت الأجساد المنهكة إلى البيوت. ابتلت عروقها بما يسر الله من ماء وتمر. وعلى ربنا تثبيت الأجر. انسدح الشايب. غفا غفوة منهك. فزّ مع صوت البندق. قال بصوته الجهوري(من العايدين بكرة عيد). ردت الزوجة «وش أدراك أنه عيد. الله يتم الشهر ثلاثين يوما. ما بعد تحنينا. ولا اشترينا الريحان ولا الكادي. ولا خذنا ثياب العيد من عند الخياط».

صرّم بالطلاق إن بكرة عيد. وأردف (العيد ليس لمن لبس الجديد وحنى الإيد وإنما لمن خاف الوعيد ولقي الله بقلب سليم). شنت هجومها «امتحنتانا برواياك إن كان بكرة عيد قم افتح السحارية. اخرج لنا القهوة والهيل». وانتي وش تعبين سألها؟ أجابت: باغدي أجيب ثيابي وثياب السفان. انطلقت فتناول الرادي. وإذا بصوت الأرض يصدح (كل عام وأنتم بخير. ضحكة فرح من كل قلب في أحلى عيد) قشع الشماغ عن صلعته فهبّها الهوى وانتشى.
عادت سيدة المنزل تحمل سفرة ممتلئة بالملابس. ثوب الشيبة. وثوبها. وثياب البنات والبنين. وضعت سطل ماء فوق الطباخة لتسخن ما تحمم به الأجساد الغضة. أخرجت من صندوقها حبة صابون لوكس. طلبت من بنتها الكبرى تقرب الطشت. حرارة الصابون في عيون الصغار محفّزة على البكاء. كل واحد منهم وضع ملابسه بجواره ونام.
مع طلوع الفجر كانت الشمس باسمة. والملامح مكتنزة بالرضا. توضأ رب البيت. وانطلق للمسجد. تصافحت القلوب والأكف. ردد الجميع (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد). وقف العريفة أمام المصلين مرددا «الله يعيدكم رضاه ورحمة سماه». ودعا للتسامح والعفو وسمو الأخلاق. كون العيد يؤلف بين الأجاويد ومن لم يكن سخيا بأخلاقه فهو المحروم وإن كان ماله مثل مال قارون. كل عام وأنتم بخير.