-A +A
حسين الشريف
كان يا مكان في هذا العصر من الزمان، رجل فاضل عرف بحكمته وحسن تدبيره وحبه لمجتمعه وحارته وأبناء حارته، وكان يمتطي جوادا أصيلا يعشقه منذ نعومة أظافره، حيث كان هذا الرجل شجاعا وفارسا مغوارا، يصول ويجول في كل الميادين بجواده الأصيل، لم يترك أي سباق إلا وهو ينتصر فيه، وكان مصدر سعادة وفرح لأهله ومحبيه في مدينته الحالمة، ولكن ترجل ذلك الفارس الشجاع عن جواده الأصيل بعدما قرر أهله ومحبوه أن يبيع ذلك الجواد، فشعر ذلك الرجل بحزن شديد لقلة وفاء أهل حارته وتنكر محبيه له، بل ازداد ألما بعدما بيع جواده وأصبح عرضة لاتهاماتهم، فقرر ذلك الرجل أن يلملم جروحه ويهجر مدينته تاركا خلفه مجدا تليدا تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل لقصة عشقه وغرامه للجواد، ليعيش في مزرعته التي تبعد 50 كم عن مكان جواده الأصيل.
وبعد 15 سنة وفي ليلة ظلماء هادئة، كان ذلك الرجل الحكيم قد تقدم به العمر وابيض مفرقه وتقوست أقدامه وانحى ظهره وضعف نظره، كان نائما في مزرعته في «خليص»، وإذا بصوت خافت منهك متعب يتسلل إلى داخله، هز كيانه وحرك وجدانه، ليوقظه فزِعا، ليعود بعد ذلك الرجل إلى فراشه للنوم ولكن لم يستطع أن ينام، متحسسا للصوت، وإذا به صوت جواده الأصيل يستغيث به، فاهتزت مشاعره ما بين حنين الشوق والحب الدفين في قلبه وما بين جروح أهله وأحبته الذين تنكروا له، وفي ظل هذا الصراع الذي يعيشه كان صوت الجواد يكبر في مسمعه، فقرر أن ينهض ويستجيب له، لينطلق مسرعا في خطوات يسابق بها الزمن باتجاه الصوت، مستعيدا شريط الذكريات الجميلة مع جواده منذ أن كان شابا في حارة الشام، مرورا بحارة البحر والبغدادية، حتى فارقه في مشرفة متلذذا بصولاته وجولاته.
لم ينته من الذكريات حتى وصل إلى المدينة ليشاهد أنوارها التي أطفئ بعضها، وشوارعها التي ضاقت عليها، إلا أنه لم ينس تلك البيوت لطرقها، بحثا عن جواده، حتى التقى به في حالة يرثى لها، ليقرر حينها بأن يعالجه، فأخذ يسعى في منتصف النهار تحت أشعة الشمس وحرارة الصيف متثاقلا والعرق يتصبب من جبينه، يطرق أبواب أصحابه وأحبابه وسط تعاطف المارة لكبر سنه، ولكنه لم يهتم كثيرا بذلك التعاطف كونه سعيدا يقفز هنا ويقفز هناك فرحا بعودة جواده، مرددا اشتقنا يا حلو والله اشتقنا.. من زمان مفارقنا
هكذا كانت قصة المسعود مع الاتحاد..