-A +A
مها الشهري
إسقاطا على حالة داعشية استعرضها «سيلفي 2» في إحدى حلقاته وثبتت واقعيا من قبل وكذلك في تلك الليلة بحادثة الأخوين اللذين قتلا والديهما وأخيهما، حيث ذكر بأنهما لا يشهدان الصلاة في المسجد، ذلك وصفا للشخصية التي يستبعد منها المظهر الديني ثم يتفاجأ الجميع بأنها تنقاد لداعش.
ليس بالضرورة أن الاعتقاد ينحصر في حالة دينية صرفة، وقد تتعدد الشكليات المحسوبة تحت مظلته، وبما أن الشعور الديني ثابت بينما نجد أن محل المعتقد متغير، فالداعشي يبدل معتقده وفق هذه الحالة، وهو بحاجة إلى انتماء جماعي لتحقيقها، في حين أن العصبية التي تؤسس عليها الجماعات لا بد لها من القيام على مكون فكري يتحول إلى معتقد تبني تضامنها عليه، والواقع أن أكثر المعتقدين كانوا قد ولدوا من خلفية التعصب التي أورثتها لهم البنية التكوينية للجماعة، وشكلت تركيبتهم النفسية كضمان أساسي لبقائها واستمرارها، أي أن نزعة الحرب والاقتتال لا تأتي في أصلها إلا من هذه القيمة، هنا سنجد أن مصلحة الجماعة تسقط مصلحة الفرد، فتعمل مؤثراتها الخارجية كمهيجات لحالة لا يقودها العقل.
للمعتقد شكلياته واتجاهاته لدى أي جماعة، ومن هذا الجانب سننظر بشكل خاص إلى «داعش» كما شاهدنا من كان قبلها، فحين يرون أنفسهم أبطالا سيراهم المختلف عنهم قطيعا من السفاحين والبربرية، يمارسون أنواع الاضطهاد لأجل الانقياد خلف معتقد جديد أرادوا إثبات وجوده، حتى لو دفعوا بأنفسهم أو من يخالفهم إلى الموت، والتاريخ يشهد بالكثير من الأحداث الدموية -بعضها في الموروثات الدينية- لا تراعي أي مبدأ إنساني ولا تتوقف إلا عند طبيعة المعتقد.
إذا سيطر المعتقد على جماعة ما سيجعلها تعمل بمعزل عن شعورها بالدافع الذي يدفعها إلى هذا العمل، كونها خاضعة لحالة انفعالية تحوي التأثير الأكبر في صياغة السلوك الفردي الذي يعمل لها طوعا ولا يتراخى لمصالحه الذاتية، فالعقل هنا ينهزم أمام الشعور العقدي.
داعش ومن كان قبلها ومن قد سيأتي بعدها، تقدم نفسها كخيار وفق فكر تراكمي تحول إلى معتقد ووجد المنتسبون إليها الحاجة إلى تفعيله، ذلك أن الأفكار تأخذ وقتا في دخولها إلى معتقدات الناس، وتأخذ وقتا في خروجها على أفعالهم، وهي تظهر مدى قدرتها في الاستعباد النفسي بإخضاع من ضللتهم لسُلطة الفكر الذي تحول إلى ملكة فطرية، هذا يفسر الرغبة في إحراز مكاسبها بمراعاة مقتضى الاعتقاد، الاعتقاد فقط.

maha3alshehri@gmail.com