-A +A
مها الشهري
البعض من شبابنا يتفاخر بفشله وبإخفاقاته المتكررة، ويتفنن في ارتكاب الحماقات، حيث إن التمرد على الذات إلى الدرجة التي تغيب فيها القيمة والمعنى تجعله مصدرا لإعجاب الكثير ممن يتأثرون بسلوكه، فهو يتجرأ بمقدار يتفوق على إشباعه للشعور الناقم الذي يحاكي الرفض لقيود الواقع أو فقدان الهدف، لم يلاق في صلاح سلوكه بيئة قادرة على استيعابه، فلا يجد في فشله الدراسي عيبا، ولا في تزايد مخالفاته المرورية، ولا رادعا لسوء أخلاقه حينما يتناول الأشياء أو يتعامل مع الآخرين، حينها نجد أن البيئة من أحد جوانبها تشجع على التسيب والإهمال وتضع للفرد اللا مبالي شأنا وأهمية، بينما تجده شخصا آخر في خارج نطاق مجتمعه.
لا شك أن سلوك الفرد المتراتب والمتكرر ينتج خُلقا، والأخلاق هي مجموعة من القوانين السلوكية التي ينظمها الجهاز العصبي حينما يعتاد على سلوكيات طبيعية مكتسبة، فهي تتحدد في بيئته التي تعد وعاء يتشكل في أهم جوانبها دلالة معنوية لنمط مجتمعه، بينما تكون أحداثها عبارة عن عوامل ومتغيرات لها علاقة وطيدة ومترابطة مع طريقة استخدام الفرد الفاعل فيها والمتأثر بها، وبطبيعة وجود اتجاهاتها المتعددة ستؤثر في تنميته سلباً أو إيجاباً، إضافة إلى أن التفاعل الإنتاجي مسؤول عن طبيعة الأخلاق، وأعني أن مثل هذه السلوكيات ستتنامى كلما وجدت بيئة خصبة تربيها وتشجعها على الانتشار، غير أن هذا الاتجاه الفكري الناتج عن الصور المؤدلجة يقاوم نمو الوعي الذي نتطلع لبناء مجتمعنا من خلاله، وكل ما يحدث ينتجه العجز عن الفاعلية المعتمدة على نمط المجتمع المدني، في حين لم يتشكل المجتمع على صورة مجتمع عقلاني تفرض عليه عقلانيته تغييرا جذريا في مستوى الوعي والأدوار الوظيفية.
إن تشكل النمو والتدافع الحضاري يأتي من بحث الإنسان وسعيه في إيجاد الحياة المثالية، غير أن الحضارة التي لا تُسهم في تشكيل الوعي وتقويم السلوك تقدم لنا شكليات مفرغة من قيم التحضر، ولدينا حاجة لاستعادة الحضور على مسرح التفاعل الإنساني الذي يعطي للفرد مبررا كافيا للوجود، فالمجتمع المدني ولادة حداثية تتسم بنزعة إنسانية وعقلانية تحكمها تنظيمات وقوانين، وغير ذلك يمكنها قبول التطور وترجمته مهما كانت صعوبات البيئة وثقافتها، إضافة إلى أنها تحرر الفرد من القيد الخانق والمحاصر لحريته لقدرتها على التمثل باعتباراتها في وعيه، وهي الوحيدة القادرة على تأسيس تكوينات تعمل كأوعية متعاونة في نمو الوعي والعلم ورقي الأخلاق ونبذ التخلف.

maha3alshehri@gmail.com