-A +A
بشرى فيصل السباعي
لو رأينا مريضا مصابا بأمراض خطيرة وهو ما بين غرفة العمليات وغرفة العناية المركزة ويجلب له أقاربه أنواع المأكولات غير الصحية والضارة التي تؤدي لانتكاس حالته الصحية، فما هو واجب الأطباء تجاه سلوك هؤلاء الأقارب؟ أليس من واجب الأطباء التدخل وتقديم النصح لهم لتوعيتهم بالأثر الخطير وحتى القاتل لسلوكهم غير المسؤول؟ هذا هو تماما المثال الذي يعبر عن حال العرب مع ما يعرض على شاشاتهم سواء من إنتاجات محلية أو مستوردة من الشرق والغرب، ففي الوقت الذي يموج فيه العالم العربي بالحروب الأهلية وأنواع العنف والسلوك المدمر ويكفي فقط مراجعة عدد حالات التهجم على العاملين بالطواقم الطبية وعلى المرضى في داخل المستشفيات خلال الأسبوعين الماضيين بالسعودية، وعنف أهالي يصورون تعذيبهم للحيوانات ولأبنائهم ويضعون المقاطع على الإنترنت ويتحولون بذلك لنجوم وينالون حتى هدايا ثمينة «سيارة» على ذلك! وعنف المراهقين الخطير وحتى القاتل مع بعضهم الذي يصورونه ويضعون مقاطعه على الإنترنت سواء بدون دوافع إرهابية أو مع الدوافع الإرهابية التي وصلت لدرجة قتل الأقارب، ومع هذا فكل ما تنتجه وتستورده الشاشات العربية من أفلام ومسلسلات وبرامج هو متمحور حول ثقافة «الأكشن-الإثارة» العنيفة وحتى مسلسلات رمضان تبدو كحلقات من المصارعة الحرة لكثرة ما فيها من عنف أسري واجتماعي، وردا على الحجة الباطلة القائلة إن عرض السلبيات على الشاشات بهذا الشكل التسجيلي الفج الذي لا يقدم حلولا ولا معالجات معمقة هو وسيلة للتصدي لها، فالدراسات العلمية أثبتت بطلان هذه الحجة التي هي حجة البليد الذي يفتقر للخيال وللثراء وللعمق الثقافي والجوهري لينتج أعمالا خلاقة جمالية، فقد توصلت الدراسات العلمية على الدماغ إلى رصد ما سميت بـ «الخلايا العصبية المرآة-Mirror Neurons» والتي تجعل الدماغ عندما يشاهد حالا ما في العالم الخارجي يتفاعل كما ولو أن الشخص نفسه يقوم به، ولهذا عندما ترى شخصا يبتسم أو يتصرف بشكل إيجابي فدماغك يتصرف كما ولو أنك أنت الذي تبتسم وتقوم بهذا التصرف الإيجابي، وبالمثل عندما ترى تصرفا سلبيا، وهذه آلية تقليد واكتساب السلوكيات من العالم الخارجي، ولهذا يكفي العرب ما يشاهدونه من أخبار العنف والسلوكيات السيئة في واقعهم، ليتوجه الاهتمام بالنسبة لما تعرضه الشاشات من مسلسلات وأفلام وبرامج إلى تجسيد المعالجات الإيجابية العميقة والروحية الجمالية والشاعرية الحساسة والواعية بمشاعر الآخر، والسلوك الإنساني والمتحضر كواقع افتراضي وليس إلى عنجهيات وعنتريات غرور الأنا والصراعات والعنف والانحرافات والسلوك الهمجي والسيكوباتي والسادي.