-A +A
أسعد عبدالكريم الفريح
دعاني مكتب مسؤول في إحدى المدن التي كنت أعمل فيها رئيسا لإحدى الإدارات. وأبلغني بأن هناك حفل عشاء وحضورا مميزا لنخبة من المسؤولين، وأني معزوم من ضمن المعازيم. وحقيقة كنت أتمنى أن أعتذر فمشكلتي الأزلية هي مع الدعوات وخصوصا التي البند الرئيسي فيها الطعام والبنود الأخرى بعض الكلام والسلام وما إلى ذلك، ولكن لأنها أول دعوة والمسؤول يستحق كل تقدير فقد لبيت الدعوة. ولبست مشلحي وتأنقت وتعطرت ثم توجهت. وهناك وجدت أن كل قادة الأعمال الرسمية في المنطقة موجودون. وقبل العشاء طلب المسؤول أن يدار النقاش، وكان عنوانه أداء الإدارات الخدمية ومستواها والرأي في إصلاحها. وقام كل عضو من الحضور بالإدلاء بدلوه، وطبعا كان الدلو يختلف من حيث الحجم حسب المنصب والمكانة الاجتماعية، وطبعا كان الأرفع منصبا يستغرق إدلاء دلوه فترة طويلة لدرجة أننا أحيانا نشعر بأننا تبلبلنا مما في جعبة ذلك المدلي بدلوه من عكٍّ مختلف ألوانه. وقد رافق ذلك بين حين وآخر حفل من الاستحسان بهز (الروس) (والأمريكان) و(براوة) عليك يعني (برافو) وبراوة ترجمة محلية لها. وصح لسانك. وصدقت ومن يقوم ويقعد إبرازا لحجم الاستحسان، وطبعا سرعتها وقوتها وصوت وقعها على الكرسي تعتمد على كبر المنصب وحجمه، المهم وبيت القصيد أو قصره أو عشته حتى لا يزعل البسطاء وهم الأغلبية. كان كل ضيف يبدي كيف أن أداء الإدارات يحتاج إلى تصحيح، وربما نقل كفالة، وأنها لا تقوم بعملها على الوجه المطلوب، والشهادة لله شفافية ما بعدها شفافية، نقد وجلد للمتخاذلين الذين ما يخافون الله في المواطن المغلوب على أمره، ونقد طبعا لا أقصد بالنقد الدولارات ولا ما كان شفنا بنسا ولساد صمت الحملان وكيف والنقد أمام المسؤول الكبير أنه منتهى الصدق والإخلاص والشجاعة. وكان الحديث يدور حلقيا بمنتهى الانتظام وكأننا في أحد البلدان المتقدمة التي لا يخر فيها النظام قطرة واحدة (ولا مرهم). وكنت كلما جاءني الدور أعطيه لمن بعدي. ولكن المسؤول لاحظ ذلك فقال أنا أراك يا أخ أسعد لا تبدي رأيا. وطلب مني الكلام قلت يا سيدي نحن رؤساء لا إدارات هنا، فلو كل منا أصلح حال إدارته لانتهت المشكلة، فقال والله كلام صحيح، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتنا عن الكلام المباح، وكأني بهم يقولون يا زينك ساكت.