-A +A
بشرى فيصل السباعي
في الوقت الذي يموج العالم العربي والإسلامي بأنواع العنف والظواهر السلبية الصادمة يجب ألا ينسينا واجب استنكارها ضرورة التوقف للإشادة بالأبطال المجهولين الذين يثبتون أن إنسان هذه المجتمعات لديه من الخيرية الأصيلة ما يجعله يخاطر بحياته للقيام بأعمال بطولية وبخاصة في مجال حفظ القيم الثقافية والحضارية كما حصل في حالة «عبدالقادر حيدرة فضل» من تمبكتو في مالي وهو رجل بسيط يملك مكتبة تقليدية تتضمن مخطوطات ورثها عن والده وأجداده، وعندما انهارت سلطة الدولة في مدينته عام 2012 واستولى مسلحون من القاعدة على مقاليد السلطة فيها وانتشر النهب والسلب، وبدأ اتباع القاعدة بإحراق وتدمير كل ما هو تاريخي فيها بما في ذلك المخطوطات الإسلامية من العصور الوسطى التي تشمل كل مجالات العلوم والمعارف كما فعلوا في مناطق أخرى قام بوضع خطة بالتعاون مع معارفه لتهريب المخطوطات النادرة من كل المكتبات الخاصة والعامة وإخفائها في بيوت العوائل ووضعوها في المئات من أوعية الصفيح الكبيرة التي تستعمل لتخزين الزيت واستعان بمنحة أمريكية دراسية لتمويل هذه العملية السرية، ونقلت الأوعية المحملة بالمخطوطات على الحمير وعبر القوارب لإخراجها عبر النهر خارج المدينة وخارج بلده لضمان سلامتها واستمرت هذه العملية الخطرة لمدة ثمانية أشهر وتضمنت نقل مئات آلاف المخطوطات النادرة وكان عليهم العبور عبر نقاط تفتيش لأتباع القاعدة المسيطرين على حدود مدينتهم وبأخرى للقوات الحكومية وقطاع الطرق، ويقدر أنه ورغم الجهود البطولية التي بذلها هو ومئات من شبكة المتعاونين معه لإنقاذ تراث الحضارة الإسلامية قد بلغ تعداد ما أنقذوه حوالى أربعمائة ألف مخطوطة، إلا أن القاعدة نجحت في إحراق ما لا يقل عن أربعة آلاف مخطوطة نادرة من المخطوطات الإسلامية القديمة فقدت وللأبد، وقد نشرت القصة الكاملة لجهوده البطولية الملحمية مع مئات من المتعاونين معه الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ المخطوطات في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية العريقة «15/أبريل/2016». وبعد التوقف للإشادة ببطولة هذا البطل ومن تعاون معه، أشعر بحاجة لوقفة أخرى للتعبير عن الصدمة والذهول من وجود مسلمين يزعمون أنهم يريدون إعادة أمجاد المسلمين الماضية ثم يقومون بإتلاف المخطوطات العلمية التي تمثل تلك الأمجاد مما يدلل عمليا على أنهم مجرد مجموعات همجية معادية لكل ما يولد الأمجاد الحقيقية من علوم ومعارف وثقافة ولهذا دمروا مخطوطات الماضي ومنعوا الإنترنت وهو عصب التطور في الحاضر ومنعوا تدريس غالب المواد العلمية الحديثة فمن أين ستأتي الأمجاد؟!