-A +A
بشرى فيصل السباعي
كلما تطورت وتعمقت وتبلورت درجة ونوعية وعي الإنسان تمايزت أمامه الأمور وفق فروقات تبدو بالنسبة له جذرية وواضحة وضوح الشمس لكن بالنسبة لغيره ممن ليست لهم مثل درجة ونوعية وعيه لا تبدو حتى مرئية أو ملحوظة، ومن ذلك أننا نرى أن كثيرا من الناس يعاقبون حتى الأطفال الصغار بأشد أنواع العقوبات التي تصل لدرجة التعذيب وأيضا نرى من يعاقب الموظفين والعمال حتى لدرجة الفصل من العمل لاقترافهم ما يسمى «الأخطاء النزيهة» والخطأ النزيه هو الذي يقع فيه الشخص دون تعمد منه ومع تحريه فعل الأفضل لكنه لم يكن يعرف أفضل مما فعل أو أن الخطأ كان ناتجا عن عوامل خارجة عن سيطرته ولها طابع الحوادث الطارئة، والخطأ النزيه يجب ألا تكون عليه أدنى عقوبة إنما يكتفى بتبصير الشخص بخطئه وتعليمه الأفضل ليتصرف بشكل أفضل، ومن الظلم أن يعامل الخطأ النزيه كمعاملة الخطأ الناتج عن تعمد الإساءة والضرر والاستفزاز أو الناتج عن الإهمال واللا مبالاة والكسل «إنما الأعمال بالنيات»، وللأسف أن الثقافة النفسية والسلوكية العلمية ضامرة في الثقافة السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية وهذا مكون أساسي من مكونات العنف الخاص والعام، فلا توجد ظاهرة لها سبب واحد فقط، فدائما هناك تفاعل لمزيج من الأسباب والعناصر والظروف التي ينتج مزيجها ظاهرة ما كالعنف الأسري والإرهابي والسياسي، وكلما تم تفكيك الظاهرة وبخاصة لجهة مكوناتها النفسية والثقافية كان التعامل معها أكثر جذرية ونجاحا على المدى الطويل، فنحن نرى على سبيل المثال قيام حملة شعبية على شخص عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات لأنه وقع منه خطأ نزيه غير مقصود وحتى يتم فصله من عمله وتتدمر حياته وحياة عائلته، وتتم حتى عمليات قتل همجية من قبل الغوغاء والدهماء بحق شخص بدا منه خطأ نزيه غير مقصود وهذا تكرر حدوثه في بعض الدول، فللأسف بعض المجتمعات لا تتسم بسماحة تفهم ومراعاة ظروف الناس، فالشحن الديماغوجي «المهيج للتعصب العدواني ضد الآخرين» يجعل الناس يتربصون ببعضهم «على الواحدة» لينقضوا على بعضهم سواء حرفيا أو مجازيا، وهذا هو ضرر الشحن الديماغوجي، فقد لا تنتج عنه جرائم إرهابية مباشرة لكن بالتأكيد له أثر على رفع درجة التوتر العام لدى من يتأثر به بحيث يجعله لا يبالي إن كان الخطأ الذي وقع خطأ نزيه أم غير نزيه، والقاعدة العامة هي أن غالب الأخطاء هي أخطاء نزيهة.