-A +A
بشرى فيصل السباعي
كم هو جميل وملهم جو الحماسة والأمل الذي تخلقه رؤية طموحة للواقع والمستقبل، لكن.. -ودائما هناك «لكن»-.. تحقق الرؤية الطموحة الملهمة يتطلب توفر ركنين أساسيين بدونهما يتعسر ويتعثر تحققها وهما؛ الآليات اللازمة لتحقيقها و(التكنوقراط) الذين يقع عليهم الدور التنفيذي فيها، والتكنوقراطية تعني (تكنو: التقني) و(قراط: سلطة) ويقصد بها أن تصبح المناصب في المسؤوليات الوزارية والتنفيذية بيد أصحاب التخصصات والخبرات والكفاءات التقنية العلمية والعملية وليس بيد البيروقراطيين المعنيين فقط بالروتين الإداري والإجرائي والمكتبي، ناهيك عن أن يكون تعيينهم قائما على انتماءات شخصية وحزبية، وتعزى النهضة الاقتصادية العلمية الصناعية في أمريكا بدايات القرن الماضي وأيضا النهضة الصناعية للصين واليابان إلى الوعي بمفهوم التكنوقراط وتوليتهم المناصب والمسؤوليات الحكومية بدل التعيين على أساس حزبي وبيروقراطي محض، ولأنه من طبيعة أصحاب التخصصات التقنية والعلمية متابعة أحدث ما توصل إليه العلماء وأبحاثهم وتصوراتهم فهم تلقائيا يجعلون إداراتهم تستفيد من تلك التطورات وتواكبها وتجاريها بشكل مستمر كسياسة أساسية، وبهذا تتحقق الرؤية الطموحة للواقع والمستقبل، ومن هناك تبرز الأهمية المحورية للتركيز في مجال التعليم على التخصصات التقنية والعلوم التجريبية والتطبيقية، خاصة أنه عاجلا أم آجلا -وغالبا أنه سيكون عاجلا- ستحصل النقلة إلى نظام الحكومة الإلكترونية التي تلغى فيها غالب البيروقراطية الإدارية التي تشغل حاليا الملايين من الموظفين وتستبدلهم بضغطة زر يقوم بها العميل وهو في بيته، كما يجب تكثيف الجهود اللازمة لتغيير الثقافة الاجتماعية السلبية السائدة حول مجالات العمل التقنية غير المكتبية، حيث ما زالت هناك نظرة سلبية دونية لها تجعل المواطنين يحجمون عنها بالإضافة بالطبع للركون للأمان المالي لوظائف الروتين الحكومي بينما المثل يقول «المغنم على قدر المغرم» أي أن المخاطرة والمغامرة وعدم الركون للأمان الوظيفي تعود على صاحبها بمكاسب ما كان ليحققها في وظيفة الروتين الحكومي، كما تثبت ذلك قصص نجاح أثرى أثرياء العالم وكلهم بدأ حرفيا من الصفر لكن عبر اهتمامهم بمجال تقني معين وعملهم على تطويره صنعوا لأنفسهم وللعالم قفزة تقنية وحضارية أوصلتهم لأن يصبحوا أثرى أثرياء العالم، ولو ركنوا لوظائف الروتين الحكومي لبقوا مجرد موظفين محدودين في دخلهم المادي وأثرهم العام، وأيضا يجب خلق تعاون وثيق مع الجامعات والعلماء فيها للاستفادة من كفاءاتهم العلمية وتوظيفها بشكل تطبيقي يساعد في تطوير الأداء التقني للإدارات الحكومية، فالرؤية الملهمة للحاضر والمستقبل هي توجه وغاية وتتطلب وجود سيارة بتقنية ومحركات فاعلة وطريق معبد للتحرك باتجاهها.