-A +A
بشرى فيصل السباعي
للإنسان طبيعتان؛ طبيعة دنيا غرائزية ونزعاتها معنية بالحاجات العضوية والمادية الأساسية اللازمة لضمان البقاء بأمان، وطبيعة عليا ربانية ونزعاتها وملكاتها العليا معنية بالجوانب الفوق مادية والفوق غرائزية للإنسان والمتعلقة بالمجالات الفكرية والمعرفية والثقافية والفنية والجمالية والإبداعية الخلاقة وتحقيق الذات عبرها، وحسب سلم ماسلو للحاجات الأساسية للإنسان فتحقيق الإنسان لحاجاته الأساسية يجعله تلقائيا ينتقل للاهتمام بحاجات الرفاه الفكرية والنفسية والروحية، ولهذا إن كانت هناك وزارات لكل الحاجات الأساسية للإنسان فالواقع يقول إننا نحتاج لوزارة للطبيعة العليا للإنسان، فعندما نرى ما تسمى «مجازا» بالتماثيل الجمالية تقبح الميادين العامة بفرط بلادة أفكارها وانعدام الخيال والجمال فيها حيث غالبا ما تكون على هيئة أغراض المطبخ من قدور ودلال للقهوة وأباريق للشاي، هذا غير الأبنية نعلم أننا بحاجة لوزارة تعنى بتنمية ملكتي الخيال والجمال فالمستقبل لهما، فغالب الوظائف التي يقوم بها البشر حاليا خلال العشرين سنة القادمة ستحل الحواسيب والأجهزة محل الإنسان فيها وستقتصر مجالات عمل الإنسان على المجالات التي لا يمكن للحواسيب القيام بها وهي التفكير الإبداعي الخيالي والتعبيري الجمالي وإنتاج المعرفة الخلاقة، بينما وللافتقار الشديد للتطور في ملكة الخيال الخلاق وفنونها وملكة الحس الجمالي وفنونها نرى حتى إنتاجنا من الأعمال التي يطلق عليها «مجازا» فنية لا يعدو أن يكون ترفيها مبتذلا بالتهريج السطحي والسخرية الفجة العنصرية والقبيحة المفتقرة بالكلية لحسي الخيال والجمال، واللوحات الفنية براقع ودلال قهوة، والروايات بلا خيال علمي إنما نميمة مجالس وتراث، هذا غير أنه ورغم ارتفاع المستوى المعيشي للمجتمع لكن لا يزال السائد هو أنماط السلوك غير الحضاري وغير الجميل ماديا ومعنويا، وهذا سبب انتشار سوء المعاملة والقذارة بالشوارع والمنتزهات والفوضى والتلاسن والاشتباكات حتى بطوابير النساء، هذا غير نمط التباهي بالسلوك الهمجي بمقاطع تعذيب الأطفال والحيوانات والتحرش بالنساء والسلوك الصادم في السياحة الخارجية وفي الجانب الأكثر تطرفا التباهي الإرهابي بقتل فرد من الأقارب، وترسيخ حس الجمال والترقي بالخيال الخلاق للفنون الإبداعية الراقية هو ما يجعل الإنسان ينفر من العنف المادي والمعنوي سواء ضد الغرباء أو ضد ضد الأهل في صورة العنف الأسري والعنف المتولد عن الانحراف الإرهابي، والطبيعة الدنيا ترفيهها بالألعاب الرياضية والإثارة والتسالي وهو عقيم، أما الطبيعة العليا فترفيهها يرقى بالإنسان ككل لأنه يكون بالفنون الراقية بأنواعها المفعمة بالخيال والجمال وبكل منشآتها الثقافية كالمتاحف والمعارض وهي تتطلب بنية تحتية لوجستية وقانونية فاعلة، والوزارة التي ستعنى بها ستؤسس للمستقبل.