لو قيل إن هناك محرضا يحرض الناس بشكل مستمر على التجمهر المتكرر وتعطيل مصالح الناس والقيام بأعمال شغب متكرر وصلت إلى درجة مهاجمة المباني وحراساتها وتكسير بواباتها وتحطيم محتويات مكاتبها وإشعال النار في حافلاتها بما هدد بانتقال الحرائق إلى الأحياء السكنية المجاورة، وأحيانا تصل إلى درجة التصادم مع رجال الأمن فماذا سيكون الموقف والحكم على مثل هذا المحرض؟ هذا المحرض هو وباء تأخير دفع الرواتب الذي يشمل السعوديين كما العمالة الأجنبية والمقيمين، ولم يكن يعرف مدى انتشاره الكارثي قبل مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت حيث صدم الجميع بأن أطباء ومعلمين سعوديين ناهيك عن غيرهم لم يستلموا رواتبهم لمدة أشهر وبعضهم سنة، فكيف عاشوا خلالها ومن أين يصرفون على عوائلهم؟! وانتشار التسويف والتهرب من دفع رواتب ومستحقات العمالة الأجنبية وبخاصة المنزلية هو سبب أساسي لصعوبة وتعثر المفاوضات مع البلدان الأجنبية في هذه القضية، وكثير من السلوكيات السلبية للعمالة الأجنبية سببها عدم دفع مستحقاتهم المالية لفترات طويلة مثل الاختلاس والتسول والهروب من عملهم للعمل في وظائف أخرى والانتحار والسلوكيات الانتقامية والتخريبية، ثم كيف يمكن للإنسان أن يقوم بعمله بشكل مثالي وهو حتى لا يتلقى راتبه الأساسي عليه؟! وسبب وباء التسويف في سداد المستحقات المالية هو غياب العقوبات الرادعة الفاعلة على هذه الجريمة بحق العاملين وعائلاتهم وكما يقول المثل «من أمن العقاب أساء الأدب» مع العلم أن التحفيز المالي هو من أحد أهم محفزات الأداء العملي للإنسان، فكيف هو حال من حتى لا ينال مستحقاته المالية الأساسية لأشهر وسنوات أحيانا ويعلم أنه قد لا يحصل عليها أبدا ومع هذا هو مجبر على متابعة العمل؟! وبعض أرباب العمل يصر على التهرب من السعودة الحقيقية لأنه تعود على التهرب من سداد المستحقات المالية لعماله الأجانب بينما السعوديون باتوا على الأقل يشهرون قضاياهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وطالما أن اللائحة الجديدة لوزارة العمل تتيح لأرباب العمل فصل الموظف إذا فقد قلما بريال واحد أو كسر وهو في عهدته، فمن العدل أن يكون هناك تشدد مماثل في ما يتعلق بوباء تأخير الرواتب والمستحقات المالية للعاملين والتسويف فيها لأشهر وسنوات وأحيانا عدم قضائها للأبد وهو الأمر الذي بات يشكل تهديدا أمنيا متكررا لا يقل عن ذاك الذي للأعمال الإرهابية التخريبية، والمدان الأول فيه هم أرباب الأعمال المسوفون في الحقوق المالية للعاملين لديهم.