-A +A
مي خالد
المباهلة مأخوذة من اللعن، فالبهل في اللغة هو اللعن وعليه فالمباهلة هي الملاعنة.
وهي مبارزة كلامية بالحجج والبراهين بغرض ثني أحد المتحاورين عن رأيه فإن لم يقتنع أحدهما وينتهي الحوار بهزيمته. فسيلعن كل طرف الطرف الآخر لو كان كاذبا فيما يعتقد.

قبل ثماني سنوات ظهرت تسجيلات صوتية عبر البرنامج الشهير آنذاك «البالتوك» ومقاطع فيديو مسربة لأشخاص يترأس كل فريق منهم رجلان أحدهما ينوب عن الفريق السني والآخر ينوب عن الطرف الشيعي، بعض هذه التسجيلات تم باحترافية وأسلوب إخراجي شبيه بإخراج البرامج الوثائقية.
إن كنت عزيزي القارئ ترغب في مشاهدتها فستجدها محفوظة في خزينة اليوتيوب؛ وأما إن كنت ترغب في معرفة ما الذي كان يقوم به الرجلان بطلا التسجيل فهما لم يكونا يفعلان شيئا عنيفا -فقط- كانا يتلاعنان.
أشهر المتلاعنين حينها المتشيع حسن شحاتة مع أدمن في موقع البالتوك يدعى بو مشاري، ثم تباهل الشيخ البراك مع مرجع شيعي، وتباهل الشيعي ياسر الحبيب مع الشيخ عثمان الخميس.
وغيرهم كثير لم أحصهم عدا.
شرط المباهلة المتعارف عليه أن الكاذب من الطرفين سيموت قبل نهاية العام. هكذا تروي كتب التراث ويتناقل بالتجربة والممارسة.
راح كل طرف يدعي نزول الأمراض الفاتكة بالطرف الآخر وزعموا ظهور الشلل والسرطانات وبالتالي الموت المحقق نهاية العام.
ومن كانت تطاله الشائعة كان يظهر في بث مباشر على الفضائيات التي تلقفت المباهلات وصارت تزيد في لعناتها وتأجج أوار نارها.
سواء قنوات فضائية تابعة للمذهب الشيعي أو قنوات فتنة ترفع شعار السنة.
قبل ثماني سنوات -وهي مدة بسيطة- لم نكن نرى قتلى العالم الإسلامي والعربي ومجازر سورية وليبيا وحروب اليمن وخراب الأوطان التي كانت المباهلات بداية وشرارة انطلاق لها، فالعنف اللفظي والكراهية التي انطلقت من عقالها تحول لبراميل ناسفة وأدوات تفجير وأسلحة كيماوية وغاز مسيل للدموع.
قبل ثماني سنوات كان الإعلام الرسمي ميتا وكان الإعلام الحديث لعبة بيد المتطرفين. فلولا ظهور المباهلات التي كانت ترفا فكريا يغذي الطائفية والتناحر لما ظهرت داعش والحشد الشعبي ورفيقاتهما.
كان رجال الدين من الطرفين يتباهلون متناسين قول ربهم: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين».