-A +A
جميل الذيابي
ضربت الرياض رقما قياسيا يومي الأربعاء والخميس، باستضافتها أربع قمم رفيعة المستوى، امتدادا لدبلوماسية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، التي تتحرك مع الأحداث وفقا لإيقاعها وسرعتها، وما تقتضيه من تدخل سريع، لإطفاء نيران الأزمات قبل أن تتحول إلى حرائق تستحيل السيطرة عليها. وما إن حل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الرياض، حتى انتقل إلى قصر الملك سلمان، حيث عقدت القمة السعودية - الأمريكية وتوبعت باهتمام دولي بالغ، خصوصا أنها تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات التاريخية بين البلدين توترا، إثر خلافات بشأن الحل في سورية، ومحاباة واشنطن لطهران. وازداد التوتر أخيرا نتيجة مساعي مناهضين للمملكة لتمرير مشروع لمقاضاة السعودية على خلفية أحداث 11 سبتمبر 2001، الذي من شأنه أن يناقض المعاهدات الدولية والأعراف الدبلوماسية.
والحقيقة أن السعوديين ليس لديهم ما يخفونه، وحربهم على الإرهاب علانية، وقد تضررت من الهجمات الإجرامية أكثر من أمريكا، بل هي المفتاح لضرب التنظيمات الإرهابية، والحكومة السعودية نفسها قد دعت منذ عام 2003 إلى رفع السرية عن تقرير الصفحات الـ 28!

والمفارقة أن الجمهوريين الذين يتشددون في عدائهم للمملكة هم الذين أيدوا أوباما في اعتراضه على القانون المزمع المذكور، محذرين من أن دولا أخرى قد تستن قوانين تجرد أمريكا نفسها من حصانتها، وتهدد بمقاضاة وزرائها وقادتها العسكريين.
وكانت لفتة حصيفة من خادم الحرمين الشريفين أن يدعو العاهل المغربي الملك محمد السادس لحضور القمة الخليجية في الرياض، في أول تطبيق عملي للتنسيق بين الدول الست والمغرب، خصوصا أن المغرب يعاني - كما الخليج - من آفة الإرهاب، وهو أيضا مسعى سعودي رفيع لتعزيز التقارب التاريخي مع الرباط، الذي حرص عليه ملوك وأمراء دول الخليج على مر عقود.
وجاءت قمة الخليج - أمريكا لتضع الولايات المتحدة أمام مسؤولياتها التاريخية، وإنفاذا لالتزاماتها في قمة كامب ديفيد، وتأكيدا لتعهدات واشنطن بعدم التخلي عن حلفائها الخليجيين. واستبق الخليجيون القمة بمحادثات مكثفة أجراها وزراء الدفاع مع نظيرهم الأمريكي آشتون كارتر، أكدت اتفاق الجانبين على مواجهة نشاطات إيران التي تزعزع استقرار المنطقة، وتدخلاتها التي تهدد الخليج والعالم العربي والإسلامي، وهو توافق حرص ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الإشارة إليه مرتين في يوم واحد: عند لقائه الوزير الأمريكي، وبعد اجتماع الوزراء الخليجيين مع كارتر.
ولا شك أن الزعماء الخليجيين كانوا يتمنون أن تعقد قمتهم في الرياض في ظروف أفضل، ليتفرغوا للالتفات لقضايا التنمية الكبرى التي يتعين أن تنطلق بتكتلهم الإقليمي إلى ذروة التنسيق مع الأمم والشعوب، وتحقيق تطلعات شعوب بلدانهم إلى المشاريع المشتركة الكبرى التي من شأنها إحداث الرفاهية المنشودة. ومهما يكن من شأن مشاركة أوباما، الذي يتهيأ للرحيل من البيت الأبيض نهاية العام الحالي، فإن تعقيدات العلاقة مع السعودية تظل محل اهتمام الأمريكيين والسعوديين على حد سواء، ويقدر السعوديون لأوباما محاولاته لإزالة كل سوء تفاهم بين البلدين، ومجيئه غير المبرمج لتقديم العزاء في الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، ودعوته الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى واشنطن صيف العام الماضي، وبهذه الزيارة الوداعية الأوبامية أراد أن يزيل بها ما علق من آثار مقابلة له نشرتها مجلة «أتلانتك» قبل شهرين تقريبا.
والأكيد أن السعودية تدرك أن معركتها إنما هي معركة لن تتوقف مع من يحاولون شيطنتها كذبا وبهتانا في معاقل السياسة والصحافة الأمريكية، عبر تزوير التاريخ لإلصاق التهم بها، مع أن التاريخ كتاب مفتوح أمامهم، لكنهم لا يكترثون إلا بما يحقق مصالحهم الضيقة، وكل ذلك لن يوقف دبلوماسية وحزم الملك سلمان عن مواجهة التهديدات، والتحديات، والأزمات، مهما تكن صعوبتها، إذ إن السعودية أضحت معقلا للتحالفين العربي والإسلامي اللذين تقودهما، فضلا عن وجودها الفاعل في صدارة التكتل الخليجي والعربي والإسلامي والدولي القوي المتناغم.