-A +A
مي خالد
صور الجياع في مضايا المحاصرة وفي الفلوجة ذكرتني بقصص مجاعات مرت بها أمتنا العربية حتى أن الناس أكلوا البشر وليس فقط القطط والكلاب، وأنا إذ أسرد بعض القصص من كتب التاريخ فليس هدفي من ذلك تهوين المصاب أو تخفيف الصدمة ولكن أريد أن أقول إن هذه أمة قد تجوع لكنها لا تموت.
في كتاب (الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر) جاء في الحديث عن فظائع الأمور التي حصلت عام 597هـ أن الطاعون تزامن مع مجاعة هائلة دفعت الناس لأكل صغار بني آدم بعد أن أفنوا الكلاب وجيف الحمير.

يقول المؤرخ: (رأيت صغيرا مشويا في قفة وقد أحضر إلى دار الوالي ومعه رجل وامرأة زعم الناس أنهما أبواه فأمر بإحراقهما). وبما أنهما احترقا فقد تحولا إلى حفلة شواء تسابق الجياع لحضورها.
ويقول: (وجد في رمضان رجل وقد جردت عظامه من اللحم فأكل وبقي قفصا كما يفعل الطباخون بالغنم).
ثم قال: (فشا فيهم أكل بعضهم بعضا حتى تفانى أكثرهم، ودخل في ذلك جماعة من المياسير والمساتير، منهم من يفعله احتياجا ومنهم من يفعله استطابة).
ومما رأى وأثار دهشته ودهشتي قوله: (رأيت امرأة مشججة يسحبها الرعاع في السوق وقد ظفر معها بصغير مشوي تأكل منه وأهل السوق ذاهلون عنها ومقبلون على شؤونهم لم أر فيهم من يعجب لذلك أو ينكره فعاد تعجبي منهم أشد. وما ذلك إلا لكثرة تكرره على إحساسهم حتى صار في حكم المألوف الذي لا يستحق أن يتعجب منه).
أما العلامة الذهبي فإنه قد تحدث عن «الشدة المستنصرية» وهي مجاعة سميت بذلك لحدوثها في خلافة المستنصر بالله الفاطمي، ذكر الإمام الذهبي أن فيها كانت جماعات من المفسدين في الأرض يتربصون من فوق أسطح منازلهم بالمارة فيخطفونهم بالكلاليب ثم يقتلونهم ويشرحون لحمهم ويأكلونه.
وحكى حكاية غريبة عن أن الوزير الذي أرسله الخليفة كي يعيد القانون في المنطقة ويكافح جرائم الجياع، أكل بعض العامة بغلته التي يركبها. فأمر بهم وذبحوا ثم صلبوا ليكونوا عبرة للناس، لكن الناس تعاملوا مع المصلوبين كما لو كانت وليمة أقامها لهم الوزير فلم يطلع الفجر إلا ولم يبق في أجساد المصلوبين سوى العظام.
قد وصل التوحش منتهاه خلال هذه المجاعات ونزل الإنسان لدرك السباع. وهذا ما نرجو ألا يقع في زماننا بينما ننتظر تحرك الأمم لإنقاذ أهلنا في الشام والعراق واليمن.