-A +A
بشرى فيصل السباعي
كل من أنعم الله عليه بأحد أعظم النعم وهي نعمة الوعي الحساس بشعور وحال الآخرين يعلم أن سبب كل ما في الأرض من صراعات ومظالم وأذية مادية ومعنوية هو افتقار الناس للوعي بشعور الآخرين، لأنهم لو شعروا بشعورهم لما أمكنهم إلحاق أدنى أذى مادي ومعنوي بهم، ولهذا السؤال الايقوني الذي نرى المذيعين يسألونه لأصحاب الخبرات المختلفة هو: كيف كان شعورك؟ فالناس لافتقارهم للوعي بشعور غيرهم يجدون أنفسهم مضطرين لسؤالهم عن كيفية شعورهم، وهناك ثقافات تكرس الوعي الحساس بشعور الآخرين ليكون للفرد على الأقل تصور ذهني عن شعور الآخرين طالما لا يمكنه الشعور به وذلك عبر نوعية التغطية للأحداث المختلفة بتركيزها على مقابلة الضحايا ونقل معاناتهم الشعورية والأعمال التمثيلية التي تجسد مشاعر وأحوال الناس وبخاصة الفئات المنبوذة التي ليس هناك وعي وشعور بمعاناتهم، وهناك ثقافات تكرس التجبر والاستعلاء على شعور الآخرين واعتباراتهم واللامبالاة بها ولهذا مثل هذه الثقافات تشجع على المظالم والعدوان والعنف المادي والمعنوي الفردي والجماعي ويبدو هذا واضحا في واقعها، ولهذا من أحد أهم وسائل مكافحة كل الظواهر السلبية الفردية والجماعية مثل الإرهاب والعنف الأسري والعنف ضد العمالة والمظالم الخاصة والعامة والحروب والتحريض، هو عدم الاكتفاء بتحليل وتغطية مجريات الأحداث إنما الأهم عمل مقابلات مع الضحايا وسؤالهم عن شعورهم وتجسيد هذا الشعور في أعمال تمثيلية لأن الأعمال التمثيلية تمنح المشاهد خاصية التماهي مع معاناة الضحية مما يكرس في وعي الجمهور القدرة على تصور شعور الطرف الآخر الذي يتأثر بتصرفاتهم ومعاملتهم، وفي الأدبيات الدينية اعتبرت قسوة القلب وهي التبلد الشعوري من مظاهر سخط الله على الإنسان ومن صفات البعيدين عن الله مهما كانوا بالظاهر والمظاهر من أهل التدين، فلكل شيء حقيقة جوهرية.. وعلامة على تلك الحقيقة، وعلامة كل حقيقة روحية وإيمانية هي؛ رقة وحساسية القلب والشعور بشعور الآخرين والاهتمام بمراعاة اعتباراتهم، مع العلم أن هناك من الناس من لفرط حساسية شعوره بالآخرين لا إراديا يجسد في جسده ذات الآلام الجسدية التي يعانون منها وتصنف أنها آلام «سيكوسوماتيك- نفسجسدية» أي ناتجة عن حال نفسي وليس لها مسبب عضوي، وهؤلاء رغم أنهم يعانون نفسيا وجسديا أكثر من غيرهم لفرط حساسيتهم لكنهم يعتبرون هذه الحساسية المفرطة من أعظم نعم الله عليهم لأنها تقيهم الوقوع في مظالم الأذية المادية والمعنوية للآخرين لأنهم ان أوقعوا أذية بغيرهم ولكونهم يشعرون بشعور الضحية يكونوا كمن آذى نفسه.