-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
السعادة أتعبت البشرية في البحث عنها منذ قديم الأزل، لذا ليس غريبا أن يثير تعيين وزيرة للسعادة في دولة الإمارات العربية الشقيقة كل هذه الأصداء، كدليل على حاجة إنسان العصر إلى السعادة مقارنة بالماضي الذي لم يكن على هذه الرفاهية والتطور والتقنيات الحديثة، ومع ذلك كان الإنسان أكثر رضا وراحة بال.
العالم سيظل يبحث عن هذا الشعور الجميل، خاصة إنسان العصر الذي يبدو كمن يبحث عن نظارته وهي فوق أنفه، لأن السعادة في الأساس شعور ينبع من النفس ويكمن في مدى رضاها من عدمه. وهي تختلف باختلاف أسبابها ومن إنسان لآخر، لكنها تنبع من الإيمان والعزيمة والصبر والمثابرة.

الحديث عن السعادة لا ينتهي ولا البحث عنها لأنها مسألة نسبية وشعور متقلب فدوام الحال من المحال، وهكذا رحلة العمر لا تدوم أفراحا ولا أحزانا، ولا رخاء ولا شدة، المهم جهاد النفس وتنظيم الحياة كثقافة وهدف ليس فقط للفرد وإنما للمجتمع أيضا، وفي العالم تجارب ناجحة جميلة ترفع شعار السعادة للمدن وللمجتمع وللأفراد وللطفولة ولكبار السن وللأرامل واليتامى، وكل هذه الشرائح يمكن أن تتحقق لها شيء من السعادة النسبية إذا تكاملت الجهود للارتقاء بالحياة وتقليل المشكلات.
صناعة مفاتيح السعادة للمجتمع مهمة، وأعود في ذلك إلى حكاية وزيرة السعادة، ومهمتها بالتأكيد ليست تقليدية، كما لا توجد حبوب للسعادة ستنتجها تلك الوزارة أو توزعها على البشر، وإنما أظنها ترتبط بأفكار ودراسات تنتج خطط ومشاريع تقوم عليها وزارات أخرى للنهوض بالمجتمع، فكلما تطورت المشاريع والخدمات وزادت مستويات الراحة وفرص العمل والإسهام في تطور المجتمع، كلما تحققت مفاتيح للسعادة.
اعتماد الكثير من الدول على النفط وتقلبات أسعاره إلى هذا الحد من الهبوط الحالي الذي عليه، ترك أثرا وسيفرض التقشف القوي في المجتمعات، ولكن هناك بعض الاقتصاديات تخلت عن النفط، وهذا يعني أن المجتمع هناك بات قادرا على التنمية الذاتية بأنشطة مختلفة يسهم فيها ويزيد عليها.
لدينا من الإمكانات من قبل ومن بعد، ما يجعل لدينا سياحة علاجية أكثر شهرة وسياحة أكبر للتسوق، ولدينا مدن سياحية عريقة، الساحلية منها وذات الطبيعية والأجواء الرائعة إلى جانب ما تستقبله المملكة من ملايين الحجاج والمعتمرين، وإمكانية توسيع القاعدة الصناعية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة تخفض نسبة الاستيراد، فالمجتمع المنتج للسلعة أو الخدمة قادر على صناعة السعادة بمفهوم الفاعلية الإيجابية والعائد والاستقرار، وهذا يحتاج إلى استثمارات في هذه المجالات بدلا من التركيز على العقار والأراضي والاستيراد بمفهوم المضاربة والاحتكار.
وإذا كانت السعادة في التسوق فإن في الترشيد أيضا سعادة لكل عاقل ينظم حياته على ذلك، وإلا سيضطر إلى الترشيد إجباريا وتغيير العادات الاستهلاكية في استبدال موديلات السيارات والمفروشات والأجهزة وكل ما اعتدنا عليه في الحفلات وصولا إلى الجوالات والملابس خاصة النسائية بطريقة فستان لكل مناسبة.
الوعي الاستهلاكي أمر طبيعي حتى في المجتمعات الصناعية فالسعادة ليست فقط في الجديد، إنما في قرار الإنسان بما لا يندم عليه من إهدار وقت ومال في غير موضعه دون فائدة حقيقية له ولمجتمعه، فالسعادة دون غاية نبيلة ورضا تكون كالسراب يحسبه الظمآن ماء.. صاحبتكم السعادة.