باستمرار يقول الناقدون البريطانيون إن العيش في ذاكرة أمجاد الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس سبب للتدهور المضاعف للأحوال في بريطانيا التي تأتي في ذيل الدول الأوروبية في كل معايير التنمية وجودة ورفاه الحياة، وبالمثل يقول الناقدون الروس إن سبب السياسات الطائشة لروسيا كتدخلها العسكري لصالح نظام الأسد الذي يرهق كاهل بلدهم الذي يعاني من شبه انهيار وعجز في كل مؤسساته الحكومية والاقتصادية هو أن القيادات الروسية ما زالت تعيش في ذاكرة أمجاد الاتحاد السوفيتي كقطب عالمي منافس للقطب الأمريكي، وهذا تماما ما يقوله المسلمون عن الواقع الإسلامي الذي يضاعف من تدهوره أن قياداته الدينية والفكرية ما زالت تعيش في ذاكرة أمجاد الماضي، وبها يتم تخدير الشعور الشعبي العام وتغييب وعيه عن التخلف الحضاري الذي يعاني منه المسلمون عبر الاستفاضة في انتقاء ومضات مثالية من كتب التاريخ مما خلق انطباعا طوباويا «مطلق المثالية» غير صحيح وغير موضوعي عن الماضي كما لو أنه كان كله تلك الومضات مما ولد توجها عاما لدى المتأثرين به لإرادة هدم الحاضر بكل مكتسباته وثقافته ومؤسساته متوهمين أنه بمجرد التدمير والقتل الشامل لأهله والتسمي بأسماء وألقاب الماضي والتشبه بالصور الذهنية الأيقونية عنه واتباع أنماطه بما فيها الأكثر سوءا كالعبودية الجنسية فهذا تلقائيا سيجعل المسلمين عظماء ويعيد أمجاد الماضي التي لم تكن.. كما هي في التصورات الطوباوية الانطباعية عن التاريخ كما سجله أهل زمانه ومكانه، ودائما العيش في الصور الذهنية الطوباوية والماضي والتاريخ هو من أنماط غفلة الوعي عن الواقع والحاضر الحقيقي الموضوعي ولهذا هو أفيون للشعوب لأنه بمجرد استحضاره يتخدر وعي وشعور الناس بحاضرهم الحقيقي فيعيشون نوعا من أحلام اليقظة ويصبح سلوكهم من منطلقها ولهذا يبدو سلوكهم غير مناسب وغير مساعد لواقعهم السلبي ويضاعف من تدهوره، وهو دائما يؤدي للكوارث كما حصل مع نظام الخمير الحمر في كمبوديا حيث سيطر العيش في الصور الذهنية الطوباوية عن التاريخ الماضي على جماعة الخمير الحمر التي سيطرت على كمبوديا فقاموا بإفراغ المدن من أهلها وقادوهم إلى الأرياف ليعملوا في الزراعة بمعدات التاريخ القديم وقتلوا كل من يجيد لغات أجنبية أو حاصل على تعليم حديث ويجيد التقنيات الحديثة لأنهم كانوا مسكونين بالصور الذهنية الطوباوية عن الحضارة الكمبودية في العصور الوسطى وتهيأ لهم أنه بمجرد هدم الحاضر الحديث والتشبه بالماضي سيعيدون أمجاد الماضي فتسببت سياساتهم بمقتل حوالى نصف الشعب الكمبودي ودمار بلدهم.