-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
حزمة مشاريع تنموية حضارية بمدينة ثول افتتحها مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، قدمت صورة مشرقة من صور الإرادة والإدارة الموحدة لتحقيق قيمة مضافة مميزة للتنمية في ثول، وتطلعه إلى أن يتكرر هذا النموذج في محافظات أخرى بالمنطقة، وهكذا يأخذنا سموه دائما إلى نقطة الانطلاق ويحدد الداء والدواء والهدف، ومثل هذه الرؤية تقصّر المسافات، وكما قال (ليس هناك محال إذا أخلصت النوايا والأعمال) أليس هذا من جوهر تعاليم الدين الحنيف، وأيضا كلمة السر التي تقدمت بها دول ومجتمعات.
الآمال عريضة والتطلعات كبيرة والطموح متجدد على امتداد الوطن، حتى وإن تراجعت مداخيل الاقتصاد بتدهور أسعار البترول لفترة ننتظر نهاية لها، وفي كل الأحوال يظل التحدي الأكبر في تنويع مصادر الدخل، وأيضا التصدي للمعوقات التي هي المشكلة الأصعب في تفاصيل التنمية وتكمن في المسافة بين الفكرة ومدى مواعيد وجودة تطبيقها.

عشنا أكثر من طفرة اقتصادية آتت ولله الحمد أكلها وثمارها على التنمية والمواطن، لكنها تركت ما تركته من مظاهر سلبية بأن طغت قيمة المال على قيم العمل عند شرائح واسعة، كذلك الهدر وتعثر مشاريع وأخرى غير مطابقة للمواصفات والشروط، ووقائع لسوء استغلال الوظيفة ليس فقط بالفساد المباشر وإنما بالإهمال في بعض المشاريع من المقاول وإغفال المتابعة.
الإنفاق على التنمية في بلادنا هائل والدولة لا تبخل بشيء، وعليه يفترض أن تأتي نتائجه بنفس القدر من الجدوى الاقتصادية والشفافية، والتحدي الآخر يكمن في تناقضات لا مبرر لها بين الأهداف وسبل تحقيقها، مثلا الصناعات الحديثة هي قاطرة تقدم الدول، والصناعات الصغيرة والمتوسطة عصب اقتصادياتها، وهي المجال الأهم لاستثمار عقول وسواعد الثروة البشرية من مخرجات تعليم وتدريب متطور يسهم فيه القطاع الخاص بجدية، فأين نحن من ذلك؟
والشيء بالشيء يُذكر وهو مدخرات نسائية بالمليارات قابعة في البنوك، دون بيئة محفزة لاستثمارات صناعية توفر بديلا للمستورد وتستوعب عمالة وطنية، ولا نجد إلا استثناءات معدودة والبقية مشاغل ومحلات تجميل. وهناك تناقضات من نوع آخر كترشيد المياه الذي ما زلنا نتركه فقط لوعي المستهلك، دون أن يوفر الموردون الأدوات ذاتية الترشيد وعدم تعميمها حتى في المنازل.
أيضا التنمية البشرية النوعية تتطلب قفزات نوعية التعليم ومخرجاته وربطه بالتدريب كمنظومة واحدة، واستثمار المخرجات كقيمة عظيمة للتنمية وليس مجرد أرقام في التوظيف بقوة برنامج (نطاقات) حتى أصبح توظيف المواطن في كثير من المؤسسات مجرد عدد لضمان النطاق الأخضر، وهكذا نحسبها بالعدد والكم دون إعداد استراتيجي لاستثمار الثروة البشرية الوطنية.
العقل هو رأس المال الأول الذي يجب الاستثمار فيه ولدينا نماذج وتجارب ناجحة، كما نرى دولا ليس لديها من موارد ومقومات إلا الإنسان والعقل واستثماره بالتعليم والتدريب المحكم، وهاهي تغزو أسواقنا بمنتجاتها التقنية في كل مجال، فلماذا يطول بنا الطريق في البحث عن كلمة السر لهذا التقدم في بناء العقل وبيئة استثماره.
كل منطقة في بلادنا لديها مزايا نسبية وبها جامعات ورجال أعمال، ويمكن أن تقدم نموذجا للتنمية المحلية والصناعات المتوسطة والصغيرة والتكامل في ما بينها، إلى جانب جهود الحكومة، ليس فقط في التنمية الاقتصادية وإنما أيضا في الاستثمار الحقيقي للتنمية البشرية المنشودة، وفي كل ذلك ليس هناك محال.