-A +A
أحمد عجب
حتى هذه اللحظة التي أتهيب فيها للكتابة، وأضع أصابعي على لوحة الكيبورد، وأنظر إلى صفحة الوورد التي فتحتها، ما زلت لا أرى أمامي على الشاشة سوى ذلك المنظر الهمجي، المتمثل في مطاردة تلك الفتاة بأحد الشوارع من قبل رجل ملتح يرتدي ثوبا أسود وعمامة دون عقال، ما زلت أتمعن لحظة إمساكه بها ومحاولته جرها معه بالقوة والمسكينة تحاول المقاومة وتستجدي بالمارة، ما زلت أتألم لمنظر سحلها على الأرض وتعري جزء من جسدها الطاهر، ما زلت أتأمل غضب ذلك الرجل وهو يلوح بيده ويحذر المتجمهرين من مغبة التدخل وأن الله حسيبه !!
منظر الفتاة وهي ملقاة على الأرض تئن وتصرخ من الخوف الذي انتابها، لم يستفز غيرة الكثيرين رغم تشدقهم الدائم بضرورة صيانة المرأة والحفاظ على حشمتها، وإنما تفرغوا للدفاع عن الهيئة، مدعين أن الرجل الذي كان يطارد الفتاة ليس عضوا من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أشيع وإنما هو أخو الفتاة فقد أعصابه بعد أن ضبطها بصحبة شاب آخر فقام بملاحقتها وسحلها، يعني أن هؤلاء الفئة من الناس لم يكتفوا بتخليهم عن نصرة تلك الفتاة الضعيفة، بل ذهبوا لإلصاق أبشع التهم الأخلاقية بها دون أن ترمش لهم طرفة عين !؟
هذا والله أبلغ مثال على الفجور في الخصومة وهو أحد أنواع النفاق، وإلا فإن الإنسان العاقل لا يمكنه بعد مشاهدته لمقطع فتاة مول النخيل المصور، أن ينفي كليا احتمال أن يكون الرجل الذي ظهر بالمقطع من أعضاء الهيئة، يا أخي خلي عندك دم وضع احتمال خمسين بالمئة على الأقل، عشرة للبس ومظهر الرجل، وعشرة للجمس الذي كان يتبعه، وعشرة لشهادة حارس الأمن، وعشرة لأقوال الفتاة الأخرى التي كانت برفقتها، وعشرة بالمئة للأحداث السابقة التي دائما ما تنتهي بثبوت مشاركة رجال الهيئة وإن تمت تبرئة بعضهم بأعجوبة من التهم الموجهة إليهم !!
الدفاع الأعمى عن رجال الهيئة، لا يتوقف عند هذا الحد، فحتى بعد أن تعترف هيئة الأمر بالمعروف أن رجالها المشاركين بالواقعة لم يلتزموا بالأنظمة والتعليمات الخاصة بالضبط، يأتيك من يقول إن الليبراليين ما صدقوا يلاقوا خطأ بسيطا على الهيئة ليضخموه، وأن الفتاة «لو ما سوت شيء كبير كان ما لاحقتها الهيئة»، وهذا هو الفجور بعينه في الخصومة، لأن الليبرالية التي يعنونها بعيدة عن مفهوم الحرية وتحمل إساءة تصل لحد القذف، أما الفتاة فلم تخرج من عمارة مشبوهة حتى يقال عنها ذلك، وإنما كانت تقف أمام سوق تجاري يرتاده آلاف المتسوقين، وهو ما يرجح رواية مرافقتها التي ذكرت بأن كل ما في الأمر أنهن رفضن نصيحة عضو الهيئة بتغطية وجوههن. الآن وقد شارفت على الانتهاء من الكتابة، تجلت الحقيقة واختفت مشاهد ملاحقة تلك الفتاة من على الشاشة، لكن وجها مألوفا ما زال يطل علي من بين السطور، وهو وجه ذلك الشاب شبه الملتزم، الذي قاده الفضول للتداخل في نقاش كان يدور بيني وبين أحد الأصدقاء حول حادثة اعتداء رجال الهيئة على أحد المقيمين وزوجته السعودية، هنا قال لنا منفعلا إن الحق مع الهيئة وإن الرجل وامرأته «غلطانين مية بالمية»، وعندما قلنا له إنه تمت إدانة رجال الهيئة وتم نقلهم، قال لنا «الحقيقة أنا ما شاهدت المقطع ولا تابعت القضية بس هي بالعقل كذا (معقولة الهيئة تسويها)» ؟!

ajib2013@yahoo.com تويتر @ajib2013


للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 277 مسافة ثم الرسالة