-A +A
بشرى فيصل السباعي
كما أن التشخيص الخاطئ للمرض من قبل من هم غير مؤهلين لهذا الدور تترتب عليه مضاعفات تعاطي علاجات غير مناسبة بناء على التشخيص الخاطئ، فبالمثل هو حال التحليل غير المفيد للأحداث العامة، مع ملاحظة أن مجرد التعليق بكلام يلقى على عواهنه ليس بتحليل، وكذلك التبرير وافتراض نظريات للمؤامرة وديماغوجية تعزيز العصبيات فكلها مما يجيده حتى الأميون، فالتحليل المفيد بحق هو القائم على تمحيص كل ما يخص المسألة محل النظر والتعمق في جذورها وفي الأنماط العقلية والنفسية والثقافية التي أنتجتها، مع مطالعة كل ما يتعلق بها من آراء مختلفة وبخاصة الآراء الناقدة، لأن آراء إطراء الأنا لا تفيد أحدا بشيء، فالنقد الموضوعي هو المرآة التي يمكن بها رؤية حقيقة الأمور، وفي ظل ما تموج به المنطقة من اضطرابات ونكبات لم يرق خطاب تحليل الأحداث عبر كل وسائط ووسائل النشر والإعلام والتعبير إلى المستوى الذي يجعله مفيدا بحق، بحيث يمكن رؤية آثار إيجابية له على أرض الواقع، فالتعليقات السطحية على الأحداث تزيد الوضع سوءا لأنها منساقة مع الانفعالات السلبية السائدة، فالأصل أن الذي يقوم بتحليل أسباب ومحركات وآليات وكيمائية وصيرورات ومآلات الأحداث وما سيترتب عليها وما يتعلق بها وما تدل عليه هو الرائد الذي يسبق القوم لكي يستكشف ما ينتظرهم وكيف يصلون لمبتغاهم، فرؤية الرائد هي التي تمنح الناس الأمل بوجود ضوء في نهاية النفق لكي لا يبدؤوا بالتصرف من منطلق يأس الجزع من الأحداث بمنطق «هي خربانة خربانة»، وهو ما يوصل لمثل الواقع العبثي العدمي الحالي لبعض دول العالم العربي والإسلامي التي تطحنها الحروب الأهلية، فالتحليل يحتاج ممن يقوم به أن يطلع على أقصى مدى ممكن من أطياف العلوم والمعارف والفكر والرأي والثقافة والنظريات والدراسات العلمية والبحثية والاستقصائية، لكي لا يكون تحليله مجرد تعليق سطحي لا جديد فيه يرفع من مستوى ونوعية الوعي الفردي والجماعي والثقافي، والبيئة يفترض أن تكون داعمة لمن يقومون بهذا الدور، فالتفرع والحرية والكفاية المادية وتخفيف الضغوط الاجتماعية والانفتاح على الاختلاف هي من أساسيات متطلبات هذا الدعم، لأن النسل الذي يتولد عن الاستنساخ يكون نسخة طبق الأصل عن سلفه، بينما الذي يتولد عن تزاوج المختلفين سيكون مختلفا، وبالمثل هو الفكر وتحليلاته، فبدون الانفتاح على المختلف والتعارف معه سيبقى الخطاب السائد مجرد استنساخ غير مفيد للواقع الجديد المختلف عن واقع سلفه.