-A +A
بشرى فيصل السباعي
كانت من أبرز كلمات التأبين التي قيلت في أعقاب وفاة المغني البريطاني ديفيد بوي مؤخرا هي كلمات وزير الخارجية الألماني التي شكر فيها المغني الراحل لما وصفه «بمشاركة» بوي في إسقاط جدار برلين، وأرفق وزير الخارجية الألماني بتغريدته هذه رابطا لأغنية «الأبطال» التي أداها بوي في حفلة عام 1987 في برلين الغربية والتي كانت من ضمن عدد من العروض الفنية التي خلقت زخما نفسيا وعاطفيا لدى الألمان لإسقاط الجدار الذي قسم عاصمتهم وبلدهم من عام 1961 إلى عام 1989، حيث على الجانب الآخر من الجدار كان الألمان في برلين الشرقية قد احتشدوا والتصقوا بالجدار ليستمعوا له، ولمّا قال إنه وجمهوره في برلين الغربية يهدونهم مشاعر الوحدة والتضامن تعالى هتاف الألمان في برلين الشرقية من وراء الجدار الفاصل، وبعد أدائه هذه الأغنية التي استلهمها من قصة حب حقيقية بين شاب وشابة من جانبي الجدار، بدأ جمهوره في برلين الشرقية يهتفون بشكل جماعي «يجب إسقاط الجدار»، وفي الأسبوع التالي ومن وحي هذا الحدث خاطب الرئيس الأمريكي الراحل دونالد ريجان نظيره رئيس الاتحاد السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف في خطاب له في برلين الغربية «سيد جورباتشوف؛ اسقط الجدار»، وبعد أسبوعين قامت الجماهير على جانبي الجدار بإسقاطه بدافع من الزخم العاطفي الذي ولدته حفلة ديفيد بوي بشكل خاص، وغيرها التي سبقت الحدث، وفي مقال سابق بعنوان «منع الحرب النووية بفيلم» كنت قد تناولت حقيقة أن فيلما أمريكيا منع الحرب العالمية الثالثة التي كانت ستبيد شعبي الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا وهو الفيلم التلفزيوني الأمريكي «The Day After» 1983 الذي تم بثه في ذروة الحرب الباردة والتهديد بحرب نووية عالمية بين البلدين وشاهده في عرضه الأول حوالى مائة مليون مشاهد، وصور الفيلم كيف هو الأثر الواقعي لحرب نووية افتراضية بين أمريكا والاتحاد السوفيتي على الأهالي، وعرض الفيلم لاحقا عام «1987» في القناة الرسمية للاتحاد السوفيتي بدعم وجهود من صانعي السياسة الأمريكية، وكان الرئيس الأمريكي ريجان قد شاهده قبل عرضه بأمريكا وتأثر به بعمق لدرجة أنه سجل ذلك بمذكراته وكتب أنه أدى لتغيير رأيه بشأن السياسة النووية وشاهده أيضا الطاقم الرئاسي، وقد اقتبس ريجان عبارة من الفيلم بعد أربع سنوات بمناسبة توقيع اتفاقية (INF) بين أمريكا والاتحاد السوفيتي للحد من إمكانية الحرب النووية بينهما. وهذا هو الدور الحقيقي العجائبي للفنون الذي -مع الأسف- ضيعته ثقافة الترفيه العبثية المبتذلة السائدة.