-A +A
بشرى فيصل السباعي
ماذا يحصل عندما يكون الشخص فقيرا من كل وجه جوهري ولا يملك إلا "المال" ويكون لديه تضخم في غرور الأنا؟ وقديما قيل "أفقر الفقراء هو من لا يملك غير المال"، الجواب هو في صور صوان بحجم حجرة مملوءة بتلال من الأرز واللحم وحولها عدد لا يتجاوز أصابع اليدين ومن ثم صور رمي هذه التلال من الأرز واللحم التي لم تمس في الزبالة، وأيضا المقاطع السخيفة لغسل الأيدي بدهن العود والسمن والعسل وما شابه من مظاهر الاستعراض السوقي الفج بالمال، ولا يعي أصحاب هذه المقاطع أن الناس لا يتداولونها كنوع من الإعجاب والتمجيد لهم، بل على العكس تماما، فالناس يتداولونها بعين الاحتقار لأحد وجهين أو لكيلهما معا، أما الوجه الأول؛ فمن المعروف أن مثل هذه السلوكيات الاستعراضية الفجة بالمال تعبر عن أن أصحابها محدثو نعمة ولهذا يريدون إثبات أنهم يملكون المال بمثل هذه الأفعال الاستعراضية المبتذلة، والوجه الآخر الذي يجعل الناس ينظرون باحتقار لتلك الصور هو أنها تجرح بعمق القيم الإسلامية، قال تعالى (..ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين). ونعمة الله مقدسة ولهذا مازال من تقاليد المسلمين الفطرية رفع كسرة الخبز اليابسة المتعفنة عن الأرض وتقبيلها ورفعها إلى الجبين كعلامة احترام وتنزيه لها عن الامتهان، كما فعل اللاعب التركي الدولي "هاكانأوغلو" خلال مباراة بالدوري الألماني بين نادي "شالكه" و"باير ليفركوزن" الذي يلعب فيه عندما رماه أحد من الجمهور بنفايات وجبة وكانت فيها قطعة خبز صغيرة فما كان من اللاعب التركي وقبل تنفيذ ركلة كان على وشك القيام بها قبل أن يلمح قطعة الخبز إلا أن انحنى والتقطها وقبلها ورفعها إلى جبينه ووضعها باحترام وتقديس جانبا خارج الملعب لكي لا تطأها الأقدام، ولفت هذا التصرف الإعلام الألماني وتم نشر وتداول هذا المقطع في كل العالم حتى وصل إلى العرب، وكانت تلك الحركة التي تعبر عن الوعي بالقيمة الروحية الإيمانية لنعمة الطعام أبلغ من كتب في لفت العالم إلى وجه راق وجميل للإسلام لا يشبه ذلك الذي يرونه في الأخبار عن المسلمين، ولهذا بالإضافة للمعنى الديني والروحي لنعمة الطعام التي تجعل كل مسلم بالفطرة يشعر بالاستفزاز من مثل صور أمجاد اللحم والأرز وتغسيل الأيدي، فهناك عرب ومسلمون في سوريا وغيرها يموتون جوعا، يا ليت يسن قانون يلزم الناس بالتبرع بفائض ولائمهم ومطاعمهم ومحلاتهم للجمعيات ليستفيد منها المحتاجون، وتفرض غرامات على المخالفين.