-A +A
بشرى فيصل السباعي
في الماضي عندما كان عالم الإنسان هو فقط أهل قبيلته وحيه وبلدته، كان الإنسان مجبرا على تقبل أهل محيطه بكل عيوبهم لدرجة الحمية لهم بغض النظر عن إن كانوا على حق أو باطل، لكن حاليا بات للإنسان الحرية في انتقاء أهل عالمه عبر الفضاء العالمي الافتراضي متمثلا في وسائل الإعلام والإنترنت، وصحيح أن هذا له وجهه السلبي لجهة أنه جعل أهل السوء يتكتلون على بعضهم عبر قنوات الفضاء الافتراضي لكن العالم الواقعي كما الفضاء الافتراضي بات لديهما من الوعي الجماعي المشترك الغالب ما يجعلهما يقاطعان ويعزلان هذه الفئة ويحاصران شرورها، ويمكن رؤية هذا التوجه في نموذج مواقع التواصل الاجتماعي بالإنترنت والتي توفر للمشتركين فيها خاصية حظر ومقاطعة الأشخاص غير المرغوب فيهم والإبلاغ عن المسيئين ليتم إغلاق حساباتهم، وعادة ما يحظر الناس ليس المختلفين معهم لجهة الاختلاف بحد ذاته وإلا لفشلت فكرة تلك المواقع، إنما يحظرون غالبا الأشخاص غير المهذبين في تعبيرهم عن الاختلاف، وأيضا السلبيين الذي لا يروون إلا السلبيات وهذا تلقائيا يجعل لهم منحى عدوانيا معاديا ومشيطنا للمجتمع والعصر والعالم، بينما أكثر الحسابات رواجا هي الأكثر تهذيبا والأكثر إيجابية والتي تركز على نقل الإيجابيات وأخبار مبادرات العمل على إسعاد ومساعدة الناس والتي تمثل الاهتمامات العليا والقيم والحساسية الراقية، فمثلا؛ هناك حسابات تركز على تعرض مسلم لتهجم عنصري لتشيطن الغرب والعالم وتتجاهل خبرا مثل أن بلدة أرنسبرغ بمقاطعة نوردراين- فستفاليا الألمانية منعت استعمال المفرقعات والألعاب النارية في يومها الوطني واحتفالات الكريسماس ورأس السنة وكافة الاستعمال الجماعي والفردي لها مراعاة لشعور اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم بكثافة لكي لا تروعهم أصوات المفرقعات وتعيد لهم ذكريات اصوات القصف والانفجارات فيتكدر شعورهم، وكندا حظرت دخول ترامب المرشح الرئاسي الأمريكي لأراضيها لتصريحاته المناوئة للمسلمين، لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ومفطور على حب الانتماء الجماعي وينفر من الشعور بأنه منبوذ ومحتقر ومطرود فمجرد قيام الناس بشكل جماعي بحظره وعدم متابعته والتعليق بشكر مستنكر لتوجهاته وقناعاته السلبية وأسلوبه غير المهذب في التخاطب والتفاعل له أثر جمعي تراكمي يؤدي لحدوث نفور داخلي لدى الشخص من الأنماط التي جعلته منبوذا وغير محبوب، وحتى في العمل؛ باتت من الأسباب المشروعة لفصل الموظف كون شخصيته ذات طبيعة سلبية تعرقل العمل بالروح الجماعية الإيجابية، وما عاد الطلاق والخلع من الشخص السلبي وغير المهذب مستنكرا، بل هو السبب الأساسي للطلاق والخلع ونزع الولاية.