-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الفساد شهدت المملكة على مدى أيام، فعاليات عديدة، بالتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) وأقيمت ندوة (حطموا سلسلة الفساد)، وفي هذا تركيز على مكافحة الفساد وتوعية وتذكير بخطورته وعدم التساهل معه، لكن التحدي الدائم يكمن في استثمار تلك الفعاليات لتكون المكافحة والتوعية عملية مستمرة، بمزيد من الإجراءات والجهود وتعزيز الآليات الرقابية والقضائية وثقافة وقيم الشفافية.
ليس هناك أخطر على خطط التنمية وأهدافها من الفساد، خاصة وأن له أشكالا وأساليب وسلاسل متداخلة وملتوية، لكنها تحت أنظار أجهزة الرقابة ووعي الرأي العام، ومن ذلك الاختلاس والرشى وإهدار المال العام، واستغلال النفوذ، وسوء استخدام السلطة والوظيفة، والتربح غير المشروع والإهمال وتعطيل المشاريع، وأيضا إهدار وقت العمل وتضييع مصالح العباد.

خسائر الفساد في العالم يصعب حصرها بالأرقام لأنها دخلت لغة الترليونات موزعة على دول العالم بدرجات مختلفة، وفي منظمة الشفافية العالمية ترتيب لقائمة الدول حسب درجة النزاهة والشفافية.. وكما للفساد صور بشعة من العيار الثقيل، فإن الأقل منه إذا استشرى أو تمكن من مفاصل العمل، ينخر في الإنجاز بين المستويات الوظيفية حتى الدنيا منها.
لدينا أجهزة رقابية ذات اختصاصات كديوان المراقبة العامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وربما تحتاج لمزيد من الصلاحيات والتنسيق، وأيضا إلى تعاون حقيقي من الأجهزة الحكومية وغيرها، وكثيرا ما أعلنت الجهتان عن شكواها من عدم تجاوب بعض الإدارات، وقد تكشفت في السنوات الأخيرة حالات فساد في العديد من القطاعات، كالاستيلاء على الأراضي وتلاعب في العُهد والقرارات، وغش في مواصفات مشاريع أو الإخلال بمواعيد التسليم، وآخرها سحب مشروعات بنية أساسية ومشروعات إسكان تابعة للوزارة بسبب عدم التزام المقاول، والنتيجة خسائر وضياع أو تأخير مصالح.
ومن المؤسف أن يطال الفساد، جهة بلدية أو تعليمية أو صحية أو كتابة عدل وغيرها، نتيجة إهمال إداري أو حالات فردية تعكس نفسا أمارة بسوء السطو ومكاسب غير مشروعة أو إعطاء حق لمن لا يستحق، بالتلاعب ومن تحت الطاولة.
في المقابل نشهد تطورا إيجابيا واضحا في قوة أجهزة الرقابة وإيراداتها في تعقب الفساد ومكافحته وتقديم الفاسدين للعدالة، كما يلاحظ زيادة الوعي في أوساط المجتمع لمكافحة الفساد بل لمواجهة الجريمة بأشكالها المختلفة بالتعاون والإبلاغ وعدم التستر أو التجاهل، وهذه ركيزة أساسية لمكافحة الفساد وكل ما يضر بالمصلحة العامة ومصالح الناس، والأكثر من ذلك والأهم أيضا تعاون المجتمع ويقظته تجاه كل ما يهدد أمن وسلامة الوطن وفي مقدمة ذلك خطر وشرور الإرهاب والمخدرات.
وعي المجتمع وتعاونه لا بد وأن يكون طرفا أساسيا في معادلة النزاهة ومكافحة الفساد، ولكن مسار الوقاية لا بد له من إحياء حقيقي وتفعيل متجدد في ضمير الأجيال من خلال دور الأسرة والتعليم والمسجد والإعلام التقليدي والإلكتروني وشبكات التواصل، لكن مع تحري الدقة والموضوعية دون تهويل ولا تشكيك وتشويه، وهنا تكمن ثقافة الشفافية وقيم النزاهة.
العقوبات الرادعة بأحكام العدالة مهمة، والضمائر الحية تعظم فيها عفة النفس والالتزام، وتأبى المال الحرام ولو كان ملايين، أو مساحات من الأراضي أو مكاسب ودخل غير مشروع. ولنتذكر في النهاية أن الكفن لا جيوب له، وأن المال الحرام وبال على آكله، لقوله تعالى (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).