-A +A
خلف الحربي
تعجبني حالة التضامن الدائمة التي يبديها بعض (المطاوعة العرب) مع تركيا في الفترة الأخيرة وتركيا تستحق ذلك، فهي بلد جميل ودولة إسلامية قوية تسعى لاستعادة أمجادها السابقة اعتمادا على جهود شبابها، وقد عرفت تركيا منذ سنوات بعيدة قبل أن يحكمها الإخوان المسلمون وكانت تملك الطموح ذاته والقوة ذاتها، وعرفتها مؤخرا بعد أن زادتها النجاحات الاقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية نجاحا فوق نجاحاتها السابقة، ولا زال الأتراك حتى يومنا هذا يعلقون صور أتاتورك -مؤسس تركيا الحديثة- في كل مكان تقريبا وفاء للرجل الذي أشعل جذوة العمل والبناء والقوة في نفوسهم، وهو الرجل الذي لا يحبه المطاوعة العرب بالتأكيد.
ومنذ أن تطأ قدمك مطار أتاتورك، تلاحظ وجود المرأة الشرطية التي تقوم بإجراءات التفتيش وتحفظ أمن المطار، في دلالة صريحة على المساواة التامة بين الرجال والنساء في مختلف المجالات، وحين تتجول في أسواق تركيا تلاحظ في دكاكينها بل وحتى بعض مؤسساتها الكبرى وفنادقها وجود العين الخزفية الزرقاء التي يعتقدون أنها تطرد الحسد.. هكذا هي ثقافتهم بعكس ثقافتنا التي ترى في هذا السلوك دليلا أكيدا على فساد العقيدة!، أما القنوات التلفزيونية التركية فلا أظن أن بعض (المطاوعة) يستطيعون تحمل مشاهدة الإعلانات القصيرة لما تحمله أحيانا من لقطات ناهيك عن قدرتهم على تحمل مشاهدة المسلسلات والأفلام السينمائية، فتركيا بلد مفتوح في إعلامه ومسارحه وشواطئه بالإضافة إلى أماكن اللهو في سائر مدنه السياحية.

هذه تركيا التي يعشقها بعض (المطاوعة) ويطلبون منا أن نقتدي بها في التنمية والاقتصاد والديمقراطية مع حرصهم على نزع روحها الحقيقية القائمة أساسا على التنوع والتعدد واحترام الحريات الشخصية وقبل ذلك كله العلمانية، فهم يظنون أن هذه المظاهر (الفاسدة) مجرد إرث أتاتوركي قديم سوف يتخلص منه الأتراك قريبا متى ما اكتملت عملية قولبتهم داخل قالب واحد، فالإبداع والتطور -من وجهة نظر هؤلاء العاشقين- ليس له علاقة بالحرية!.
الطريف في الأمر، أن هؤلاء العاشقين كانوا يحذروننا مما يسمى بـ(الإسلام التركي) ويرون فيه حيلة أمريكية لترويج دين خال من المضمون، ولكن دارت دورة الأيام وأصبح هؤلاء أكبر المبشرين بالإسلام التركي بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم، فهم ينظرون إلى الموضوع من أعلى حيث القوة والسلطة والنفوذ ولا يكترثون أبدا بأحوال الناس في الشارع.
لو كان ثمة مشروع لتبادل المطاوعة العرب مع الأتراك لربما كان أكثر جدوى من اتفاقيات التبادل التجاري، حيث سيجد المطاوعة العرب جدول عمل طويلا يبدأ بتحطيم الأعين الخزفية الزرقاء مرورا بإغلاق المسارح ودور السينما وانتهاء بحبس الشرطيات غير المحجبات، أما المطاوعة الأتراك فسوف تكون مهمتهم أسهل بكثير، حيث لن يضيعوا وقتهم في محاربة الفنون وتقييد حركة النساء وصد التنوع بل سيتجهون إلى الهدف مباشرة، فالإيمان الحقيقي باق بإذن الله في قلوب المسلمين دون حاجة للوصاية، والتحدي يكمن في البناء والتنمية.