-A +A
بشرى فيصل السباعي
كلما انغمست في قراءات سياسية سواء أكانت تاريخية أو معاصرة أخشى على نفسي من قسوة القلب فأسارع لمشاهدة أفلام وثائقية عن أحوال البسطاء على الأرض الذين يعانون من تبعات «اللعبة السياسية» التي هي محور الأدبيات السياسية، فحتى تحليلات المحللين السياسيين يغلب عليها تناول مجريات الأحداث باعتبارها «لعبة» بين أصحاب السلطات المختلفة وإن كانت بيادقها هي دموع ودماء وقلوب وعظام وأرواح الناس، فالنظر للسياسة كمجرد استراتيجيات وأرقام ومفاهيم نظرية ووسيلة لإرضاء غرور الأنا الفردي والجماعي يجعل الإنسان سيكوباتيا أي فاقدا بالمطلق للشعور بالآخرين وللرحمة والتعاطف مع الغير، ولهذا على كل مشتغل بالسياسة أن يحرص على إبقاء نفسه قريبا من رؤية الأمور من منظور الإنسان البسيط على الأرض وذلك بمتابعة ومطالعة كل ما يرصد أحوال الناس على أرض الواقع سواء أكان مرئيا أو مكتوبا وهو لن يستفيد فقط بتعرفه على حالات خاصة ترصدها تلك الوسائط، إنما أكثر من ذلك هو سيكتسب منظور الإنسان البسيط الذي يتأثر بقرارات السلطات بأنواعها ويعاني من تبعاتها السلبية التي لا تصل غالبا لأصحاب السلطات، ليصير بعدها كلما هم باتخاذ قرار استحضر منظور الناس على الأرض وكيف سيكون تأثيره عليهم، وعلى سبيل المثال؛ أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالميا قبل سنوات لم يكن سببها نقص في إنتاج الغذاء بل كما قال مدير منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة إن العالم ينتج غذاء يكفي لإطعام ضعف عدد سكان الأرض لكن ارتفاع الأسعار كان سببه قيام مضاربين في أسواق المال بالمضاربة على أسعار الغذاء، وقبلها في التسعينات من القرن الماضي قام مضاربون بالمضاربة على عملات الدول المسماة بالنمور الآسيوية التي كانت في طليعة الدول النامية التي وصلت لمنافسة معدلات النمو في الدول الصناعية فأدت مضاربات المستثمرين على عملاتها إلى انهيار اقتصادياتها وجعل عشرات الملايين يهبطون من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة ومات كثيرون جوعا ومرضا لعدم قدرة دولهم على توفير الخدمات الأساسية، هؤلاء المضاربون الذين يأكلون بدموع ودماء البسطاء لو شاهدوا أفلاما وثائقية ترصد آثار أفعالهم على حياة الناس على الأرض لا أعتقد أنهم سيمكنهم بعدها التمتع بالمال المغمس بالدموع والدماء، وبالمثل طغاة السياسة مثل بشار والبغدادي، ومن أنماط الألعاب السياسية: خطاب التملق الديماغوجي الذي يهيج العصبيات العدوانية لدى الجمهور ليركب مهيجها على موجتها على حساب حتى جمهوره، فهو حتى يفرح بمقتل بعض أتباعه لأنه يمنحه نقاطا على خصمه أمام الرأي العام.