-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
العالم الافتراضي، إلى أين يختطف عالم الواقع عبر التدفق الهائل للمعلومات التي باتت سلاح العصر للفتن وهدم دول ومجتمعات وقيم وحدث ويحدث هذا، بهدم الإنسان من داخله أولا وقد انقلبت أحواله رأسا على عقب، فشبكات التواصل وما تشهده من اشتباكات وغثاء وفضائح وسموم، لم تترك الإنسان فاعلا في نهاره ساكنا في ليله، مدركا لقيمه ووقته وحدود علاقاته الأسرية والاجتماعية والانسانية، إلى إنسان يهدر كل ذلك ببساطة.
مبيعات الأجهزة والهواتف الذكية في المملكة بالملايين سنويا، وشبكات التواصل تتنافس على تقاسم البشر في العالم وبكل اللغات، وعلى معلوماتهم وخصوصياتهم، واختلافاتهم بين حامل مسك ونافخ كير، والطيب والخبيث، حتى تشتتت عقول الكثيرين وتشوهت مشاعرهم وفلتت الأعصاب من عقالها، فقد استبدلوا الخير بالأدنى من صفات الحلم والأناة واحترام الغير، إلى النقيض من كل، فضاع الصفاء والرشد من بعض العقول، وكأن تعاليم وقيم ديننا السمح أصبحت لديهم في (خبر كان) وقد حرم الغيبة والنميمة والخوض في الأعراض والابتزاز، وجرائم يندى لها الجبين باتت لغة سائدة واسعة الانتشار في العالم الافتراضي وتترك بصماتها على الواقع.

هل هذا النزف الأخلاقي مجرد تسالٍ بتداول رسائل ملغمة بسموم وفضائح يثير بعضها الضحك وهي في حقيقتها تؤلم كل ذي عقل، ويشكو منها معظم سكان ذلك العالم ممن جرحتهم أشواكه أو اكتووا بلهيبه، والبعض ذهب في غياهب الاكتئاب والعزلة، لقد أمر الله بالستر وصون سمعة الناس وأعراضهم، فما بالنا بمن يخوض في الأعراض خاصة المرأة، ولو وضع نفسه أو أحد أقربائه في موقع الضحية لما تحمل ولم ينم ليله.
أيضا الانتصار للرأي والتعصب من أشد الآفات انتشارا على شبكات التواصل خاصة الشهيرة منها، وكثير من المواقع الشبكة العنكبوتية، ومن خلال معارك أصحابها تسودها أجواء عدوانية أصابت الكثير من مدمنيها بتشوهات أخلاقية وبعدوانية خاصة المراهقين والشباب الذين لديهم طاقة الاندفاع ومع غياب الرقابة تصيبهم الضغوط بمسخ في صفاتهم حتى لو وجدوا ما يرفه عنهم بقفشات مصورة ونكات أضل سبيلا وسوءا.
يكاد المهتمون بآثار ادمان الانترنت يجزمون بأن مدمني شبكات التواصل يدفعون ثمنه فادحا ومع ذلك قليلا من يرشّد استخدامها، ومن يتجنبونها يعودون اليها ولسان حالهم يقول (لا بحبك ولا أطيق بعدك) وهو ما يتطلب حضورا أكثر لعلماء النفس والاجتماع وكل ذي بصيرة في الأسرة والمجتمع وصفوف التعليم التي هي الحاضن الأكبر لأجيال الشباب منذ سنين مبكرة.
كثير من سكان العالم الافتراضي وشبكات التواصل تمسهم حالة من الغربة عن الواقع الحقيقي، دون وقفة واعية لحسن الاستخدام. فاستخدام التقنية مطلوب خاصة الإنترنت ولا بد من توسيع الاستفادة منه في خدمات ومجالات مفيدة في المعارف والعلوم والتثقيف وكل ما يضيف للإنسان قيمة وفضيلة ومعلومة هادفة، وكل إنسان محاسب عن نفسه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وإبليس سيتبرأ ممن أغواهم (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
من المستحيل عمليا السيطرة كاملا على النزق الإلكتروني ومخاطره، فليس هذا بزمن المنع، وإنما الممكن والأجدى الاستفادة والتوعية، والإنسان كفيل بذلك عندما يمسك على الوعي والعقل ويختار في أي موقع يكون، فإذا جانبه الصواب،يجد على الأقل من ينبه ومن يحمي، وأجهزة الداخلية المعنية صاحبة اليد الطولى في مقاصد التوعية والحماية، ودون ذلك لا حياة لمن تنادي.