-A +A
بشرى فيصل السباعي
في عصرنا الحالي حيث غالب المواطنين لديهم راتب تقاعدي ويحصلون بشكل أو بآخر على علاج مجاني ويعيشون غالبا في بيت مستقل واحيانا لديهم سائق وخادمة، بات بر الوالدين من قبل الابناء المستقلين عنهم في غاية السهولة ولا يتطلب أكثر من البر العاطفي الذي يتمثل في مواصلتهم بالزيارات الحميمة وكل المبادرات التي تشعرهم بالحب والحنان والاهتمام. وكما يقول المثل «حتى بائع الورد يحتاج لمن يهديه وردة»، فالفرحة ليست بالغرض ذاته إنما بما يوحي به من حب واهتمام، فحتى وإن كان الوالدان مستغنيين ماديا وأغنى من اولادهما فهما يحتاجان نفسيا وعاطفيا لمثل هذه المبادرات التي تشعرهم بالاهتمام والحب. لكن للأسف نرى أن كثيرا من الآباء والامهات يشتكون وبحرقة مؤلمة وهم يغصون بعبراتهم جفوة وقسوة ابنائهم العاطفية، حتى أنهم قد يقاطعونهم بالأسابيع وربما الأشهر ولا يتصلون بهم هاتفيا، ناهيك عن الزيارات والنزه واهداء الهدايا ولو طبق حلوى، ومرافقتهم في مواعيد المستشفى ومراجعات الدوائر الحكومية ومساعدتهم بالإجراءات التي تتم عبر الانترنت في حالة عدم اجادة الوالدين لاستعمال الانترنت. ومجرد عدم معاتبة الوالدين لأبنائهم لا يعني أنهم لا يتألمون فكما تقول الحكمة «ترك العتاب عتاب» أي ان الانسان قد يصل لمرحلة يشعر باليأس من تجاوب الآخرين مع عتابه فيتركه ليأسه من حسن تجاوبهم وليس لأنه ما عاد يهتم، وحتى الأب الذي كان في شبابه ربما شديدا وغير عاطفي بعد منتصف العمر تتغير بشكل جذري غالبا كيميائية نفسه العاطفية نظر للانخفاض الطبيعي بهرمون الذكورة بعد منتصف العمر مما يجعل الاب أكثر عاطفية، ومجرد تعذر الابناء بالانشغال لا يزيل الاسية لدى الوالدين بل يزيدها، فالإنسان يحتاج عاطفيا ان يشعر أنه أهم من كل شغل خاصة وان كان له دَين احسان على الآخر، ولا يوجد دَين احسان أكبر من الذي للوالدين على الابناء. والصورة النمطية عن الابن الذي يفضل ارضاء زوجته عاطفيا على ارضاء والديه عاطفيا هي غالبا صحيحة وليست بالضرورة معبرة عن ان حب الابن لزوجته هو أكبر من حبه لوالديه إنما هناك مغناطيس غرائزي يجعل الانسان ينساق وراء من تتعلق شهوته به، فالذي في قلبه جوهر البر الحقيقي بزوجته سيكون لديه ذات البر واضعافا مضاعفة تجاه والديه، أما الذي لا يحب إلا نفسه فهو سيؤثر من هو محل شهوته على من عداه. وكلمة للوالدين بأن يهتموا بتغذية عاطفة الحب لدى الابناء كرصيد لبرهم العاطفي في ما بعد.