-A +A
خلف الحربي
تضحكني عبارات بعض المتفائلين الذين يظنون أن روسيا سوف تعيد ضبط الأمور لصالح جزار دمشق خلال بضعة أشهر، هذه النظرة الحالمة بعيدة كل البعد عن حسابات التاريخ والسياسة والاقتصاد والواقع على الأرض السورية، فالدب الروسي دخل بمحض إرادته في الكهف السوري الضيق ولن يخرج منه إلا وهو مسلوخ الفراء ومكسور الهيبة ومفلسا من الناحية الاقتصادية.
مشكلة الروس أنهم لا يقرأون تاريخهم، حيث يعطل بردهم القارس خلايا الذاكرة في أدمغتهم فينسون بسرعة ما حدث لهم بالأمس القريب، فالاجتياح السوفياتي الأرعن لأفغانستان نتج عنه تفكك الاتحاد السوفياتي إلى جمهوريات متنافرة وهروب بقية أعضاء المعسكر المتحالفين معه، والدخول الأرعن في سوريا اليوم سوف ينتج عنه تفكك روسيا الاتحادية إذا لم تهرب من سوريا في الوقت المناسب.

لو كانت عملية تثبيت بشار الأسد في السلطة ممكنة لانتهى الأمر منذ زمن طويل حين كان بشار يملك جيشا قويا وأجهزة مخابرات حديدية في وجه شعب أعزل خرج إلى الشوارع مطالبا بالحرية، ولو كانت المساعدات الخارجية ضد الشعب في التدخل تجدي نفعا لاستطاعت إيران بمعاونة حزب الله اللبناني وبعض الميليشيات الشيعية العراقية أن تحسم الأمر لصالح بشار منذ عدة سنوات، ولكن الدفاع عن الباطن مهما كانت قوته سوف يؤدي حتما إلى نتيجة مخيبة لآمال المدافعين الذين يستسهلون الأمر حين ينظرون إليه من الخارج ولا يشعرون بحجم مأزقهم إلا بعد أن يصبحوا في منتصف ميدان المعركة.
ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع تحركا عسكريا دوليا لإنقاذ الشعب السوري من نظام ديكتاتوري لم يتردد في ارتكاب جرائم حرب على الهواء مباشرة، سار الروس في الاتجاه المعاكس محاولين إنقاذ هذا الرجل الوحيد في قصره والذي لا زال على قيد الحياة بفضل مساعدات الإيرانيين واللبنانيين، اعتقد الدب الروسي أنها عملية سهلة باعتبار أنه يملك الأسلحة المتقدمة بينما خصومه -المعارضة السورية- ممنوعون من امتلاك الأسلحة المؤثرة، فعل مثلما كان يفعل بشار أحرق المدن السورية بقنابل غبية لا تختلف كثيرا عن البراميل المتفجرة التي لم يتوقف بشار عن إلقائها على شعبه، ولو كانت سياسة الأرض المحروقة تجدي نفعا في كسر إرادة الشعب السوري لأنهى بشار مشكلته بنفسه دونما حاجة للاستعانة بالإيرانيين واللبنانيين وأخيرا الروس.
باختصار سوف تقتل روسيا آلاف المدنيين السوريين مثلما فعل بشار، ثم تجد نفسها متورطة في حرب لا تنتهي وستهرب رغما عنها من الجحيم السوري سواء طال الزمان أو قصر، وسيكون أسوأ ما فعله الروس في سوريا فوق القتل والدمار وحماية مجرمي الحرب في دمشق، أنهم قدموا أكبر دعم لداعش وغير داعش من التنظيمات المتطرفة لأنهم بقتلهم للأبرياء سوف يقدمون أكبر دعم دولي للإرهاب.