-A +A
خلف الحربي
أثار الحكم الذي أصدرته محكمة جنوب غربي البلاد بإعدام الشاعر الفلسطيني المقيم في المملكة أشرف فياض استغراب الكثيرين داخل المملكة وخارجها، فمع تقديرنا لسلطة القضاء إلا أن الحكم هنا دخل في مرحلة تأويل الشعر لصالح فكرة مسبقة من أجل إثبات هذه التهمة الشنيعة وإقرار هذه العقوبة التي ليس بعدها عقوبة على وجه الأرض.
ولحسن الحظ أن هذا الحكم ابتدائي ولا تزال هناك فرصة لمراجعته في مرحلتي الاستئناف والتمييز، ونتمنى من الإخوة المحامين وغيرهم من الشرعيين التدخل لإعادة الأمور إلى مسارها المنطقي، خصوصا أن القضية يحيط بها سيل من الغموض، بل إنها قائمة منذ أساسها على مبدأ الشك.

مسرح الجريمة هنا هو ديوان شعر صدر قبل نحو 7 سنوات والشعر - كما تعلمون - فن قائم على الخيال، وبما أن هذا الديوان - من خلال ما نشر من مقتطفات - لم يحتو على عبارات صريحة تثبت إلحاد شاعره يشغلنا سؤال مهم: هل استعانت المحكمة الموقرة بخبراء في الأدب والشعر كي تتأكد أن الشاعر كان ملحدا عند كتابته هذه العبارة أو تلك؟، هل حاول القاضي الاستئناس برأي وزارة الثقافة والإعلام باعتبارها الجهة المختصة من الناحية الفنية عن محتوى الديوان؟، أم أن المسألة كانت خاضعة لذوق القاضي الشعري الذي لا نقلل منه ولكننا لا نراه جازما في تحديد شكل الرؤية الشعرية التي يستحق صاحبها عقوبة الإعدام؟.
أما عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن عملية قبضها على الشاعر استجابة لشكوى أحد المواطنين التي لخبطت أوراق هذه القضية وأخرجتها بهذه الطريقة التي لا تخدم أبدا صورة البلاد، فقد كان من الأولى أن توجه الشكوى إلى وزارة الثقافة والإعلام أو إلى المحكمة وليس إلى الهيئة تفاديا لبعض الشكاوى الكيدية التي يباشرها أناس غير مختصين يسيطر عليهم الحماس فيقلبون القضية رأسا على عقب، وقد أكدت عائلة الشاعر أكثر من مرة أن ابنها وقع ضحية شكوى كيدية من قبل أحد المواطنين الذي اختلف معه حول مباراة كرة قدم أوروبية في أحد المقاهي فذهب يشكوه إلى الهيئة مدعيا أن أشعاره تدل على إلحاده وجلب لهم كتابه الذي يحمل عنوان (التعليمات بالداخل) كدليل على الجريمة، لتبدأ بعدها القصة العجيبة التي انتهت بإصدار المحكمة حكما بإعدام الشاعر.
أملنا في الله كبير ثم بقيادتنا وقضائنا بمراجعة هذا الحكم في درجة الاستئناف والاستعانة بالجهة ذات الاختصاص للحد من لعبة: تأويل كل ما يمكن تأويله.