-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
أمطار الثلاثاء الماضي كانت متوقعة وفي الذاكرة مخاوف سابقة، إلا أنها فاجأت الأجهزة المعنية بواقع صعب على البشر ومؤسف في الشوارع والأحياء والأنفاق في مناطق ومدن مختلفة، أكثرها ضررا في جدة التي غرقت بعد ساعتين من المطر لتكشف أزمة غياب شبكة التصريف في بعض الأحياء، وانسداد الموجود منها في أحياء ومواقع مختلفة، رغم رسائل تحذيرات الأرصاد قبل الأمطار بأيام وحددت فيها أيام المطر والمناطق والمحافظات على مستوى المملكة، ورغم تصريحات الأمانة عن خطط الاستعداد وكأن كل شيء على ما يرام، ثم نكتشف أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان.
نحمد الله على لطفه بالسدود والقنوات التي انجزت قبل عامين بإشراف مباشر من سمو الأمير خالد الفيصل ضمن منظومة المشروعات الدائمة للأمطار ومنع السيول المنقولة، وما سبقها من مشروعات الحلول العاجلة التي لولاها لكان الحال مأساويا، وقد وضع سموه النقاط فوق الحروف بشفافية ومتابعة لحظة بلحظة لآثار الأمطار الأخيرة، واطلاع خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، بتقارير أمطار جدة، وتقديم تقرير مفصل عن ذلك، وما أفاد به سموه بأن بعض القنوات كانت مسدودة بسبب خلل الصيانة وأن الأنفاق امتلأت بعد انقطاع الكهرباء عن المضخات.

هذا الحاصل داخل جدة كان يمكن التخفيف منه أكثر لو حدثت الصيانة واختبار تجريبي حقيقي لما هو متوفر من شبكة التصريف، والتنسيق بين مختلف جهات الطوارئ والاستعداد في نفس يوم الأمطار بقوافل سيارات السحب بأماكن تجمع المياه المعروفة دون انتظار بلاغات، وتبقى تلك الأسباب محل التحقيق ولعلها تنهي اسباب وثغرات مزمنة للإهمال وتأخذ اشكالا مختلفة سبق أن راح ضحيتها ارواح في حرائق وفتحات مكشوفة.
ماكينة شبكات التواصل الاجتماعي المستعرة في الأحوال العادية أشعلتها حال جدة وغيرها مع الأمطار، صور ومقاطع واستدعاء لمشاهد أمطار وأزمات سابقة، فاختلط الحابل بالنابل ومئات الآلاف من رسائل التواصل المصورة وتعليقات واتهامات وقدح.
في الأسبوع الماضي تناولت ثقافة احترام القوانين والتشريعات كمنظومة متكاملة ما زلنا نبحث عنها، وغيابها يترك فراغا لسلبيات مؤسفة في مظاهر كثيرة، بخلاف مجتمعات عديدة في العالم تجيد عن قناعة احترام القوانين والضوابط والمسؤولية، فأصبحت الحياة فيها متطورة وسهلة، والحقوق والواجبات واضحة حتى للناشئة، لأن المجتمع نفسه ثقافته ايجابية في تطبيق الضوابط وجودة تنفيذ المشاريع والشفافية، وسد ثغرات استغلال الوظيفة قدر الامكان حتى لا تتعارض المصلحة الخاصة مع العامة ولا تعلو عليها.
أقصد من ذلك أن الفارق كبير بين ثقافة احترام القوانين والأنظمة بدءا من الانضباط المروري وصولا إلى جودة المشاريع، وبين القفز فوق هذه الضوابط كالذي نعاني منه في مخالفات واهمال وظيفي وتجاوزات، وحتى في النقد السلبي، لذلك لا نستغرب أن تتحول ساحة الانترنت إلى كرة لهب مشتعلة بلغة التثبيط والاحباط لأن بعض التصريحات ينقضها الواقع عند كل أزمة.
نعم النقد مطلوب والرأي واجب ومفيد والملاحظات لكشف الأخطاء ومظاهر الإهمال، شرط حسن المقاصد ورقي لغة الحوار والنقد البناء، يقابلها شفافية واجبة من المسؤولين وتحمل المسؤولية ونتائجها أيا كانت بشجاعة. وهذه الأزمة نأمل جميعا أن تستنهض علاج الأسباب وجودة العمل والإخلاص والاستعداد الحقيقي والتطوير، وكلها مفردات مهمة للمسؤولية وتطبيق الأنظمة الهادفة للتنمية والسلامة، وغير ذلك سنظل نتجرع ثمن الإهمال حتى في المنازل، ومعظم النار من مستصغر الشرر، فكيف بالكبير منه كغرق جدة وغيرها.