-A +A
خلف الحربي
يستحق كل المسؤولين عن غرق مدينة جدة للمرة الثالثة - أو الرابعة لم نعد نذكر – جائزة عالمية في الهندسة لأنهم أول فريق عمل ينجز مشروعا وطنيا عملاقا بشكل غير مقصود، فقد ذكرت الصحف أن سكان حي الجامعة في جدة وبعض الأحياء المجاورة فوجئوا بمشاهدة أسماك البلطي تسبح حول بيوتهم بكميات هائلة، وهذا إنجاز اقتصادي وسياحي ما كان له أن يتحقق لولا الفشل الذريع لجهود تصريف الأمطار.. فلهم منا كل الشكر والتقدير.. والشكر موصول لسمك البلطي الذي ترك كل أشغاله في البحر الأحمر وخصص جزءا لا يستهان به من وقته الثمين للتجول في شوارع جدة ليرسخ قيم التواصل بين المواطن والأسماك!.
على أية حال، إذا كان عنوان الغرقة الأولى (كائنا من كان)، وعنوان الغرقة الثانية (لم تنته بعد مشاريع تصريف الأمطار)، فإن عنوان الغرقة الثالثة (لا توجد أصلا مشاريع تصريف أمطار!!).. يا للهول.. وما هو الدور الذي كانت تلعبه كل هذه الحفر التي نخرت عظام المدينة الساحلية عظما عظما بل وسقط فيها عدد من المواطنين والمقيمين ولم يعودوا أبدا.. هل كانت فقط للصرف الصحي؟.. شبكات مياه؟... كهرباء؟.. حفر تربط بين الحفر؟.. أم أنها حفر مخصصة فقط لتصريف المارة من البشر؟.

صدقا.. ماذا كنتم تحفرون؟!.. ولماذا لم تصرفوا الأمطار ما دمتم قد حفرتم كل شبر في المدينة؟.. هل كنتم تفكرون بممرات آمنة لأسماك البلطي؟.. أظن أن هذا هو هدفكم من كل ذلك الحفر المتواصل.. أنتم حقا ترون ما لا نراه؟.. وتفهمون ما لا نفهمه.. نظرتنا السطحية الضيقة لا تتجاوز سلامة البيت والسيارة، بينما نظرتكم الواسعة تتعمق في أعمق أعماق البحار بحثا عن سمك البلطي!.
لو كنت أحد المشرفين على معرض جدة القادم للكتاب لجمعت كتابا تذكاريا بمناسبة انطلاقة المعرض يحتوي على آلاف التصريحات التي نشرتها الصحف وكذلك الأخبار حول التعاقدات المليارية مع شركات أجنبية ومحلية، كما يتضمن الكتاب الرسوم البيانية والخرائط والمجسمات التي تناقلتها وسائل الإعلام طوال السنوات الماضية والتي كانت تبشر بإنهاء معاناة جدة مع المطر.. ومن الأفضل طبعا أن يحتوي الكتاب على فصل يتحدث عن الأموال الطائلة التي صرفت على الخطط والدراسات والحفر الكبيرة التي تتشعب منها حفر أصغر، ولا بأس من فصل ينشر أخبار محاكمات المتهمين بالتسبب في كارثة الغرق الأولى للاطلاع على البعد القانوني للحفرة.. وحبذا لو تم تزيين غلاف هذا الكتاب بصورة لسمكة بلطي تفحط في شوارع جدة!.