-A +A
أحمد عجب
بأي مكان بالدنيا، يعتبر المطر، مصدر إلهام لقريحة ذلك الشاعر الذي يحمل مظلته ويضع معطفه الصوفي على يده وينفث الدخان من سيجارته، تجده يسير هنا وهناك تحت زخات المطر، وإذا ما تعبت قدماه من المشي الطويل، جلس ليستريح بجانب الطريق على ذلك المقعد الخشبي المصنوع بعناية، مسترجعاً ذكرياته الجميلة مع المطر منذ تشكل السحاب وحتى اللحظة التي يتوقف فيها عن الهطول، إنها الأجواء الشتوية الرائعة التي يعشقها ويهيم حباً في تفاصيلها، فلطالما روت بهتانها حديقة ذكرياته ولطالما أسقت بأمطارها الغزيرة ينابيع حنينه.
طبعا لدينا الوضع غير، فذكرياتنا مع المطر خالية تماماً من الرومانسية واللحظات الجميلة، إنها أشبه ما تكون ببحيرة تكدست فيها المياه الراكدة حتى ماتت على ضفافها الورود والأعشاب، فذكرياتنا المأساوية تبدأ قبل عدة أيام مع تحذيرات الأرصاد الجوية بهطول أمطار من متوسطة إلى غزيرة، وعلى الرغم من أهميتها في تقليل حجم الخسائر بالأرواح والممتلكات، إلا أنها مرة تصيب وعشرة تخيب، ثم إن البيان يأتي نمطيا وكأنه لا يقبل التعديل حيث يهيب في كل مرة من الجميع الابتعاد عن بطون الأودية ومجاري السيول دون الاستفادة من التجارب السابقة والتطرق بالاسم إلى الأحياء والشوارع والأنفاق التي يتوقع أن تغمرها مياه الأمطار وتشكل خطراً لمرتاديها!؟

ذكرياتنا المأساوية مع المطر، مرت كما هي يوم الثلاثاء الماضي، لا جديد يذكر ولا شيء يبعث للأمل، بداية من أسقف مباني العمل التي تخر منها المياه والزيوت، ومروراً بالحارات والأزقة التي اتصل منسوب مائها إلى أن اختلط بمياه البحر، وانتهاء بحوادث الغرق والصعقات الكهربائية!
ما نحتاجه حالياً هو القيام بصيانة فورية وشاملة للمشاريع القائمة، ومحاسبة دقيقة وعاجلة للمسؤولين عنها، يجب العمل أولاً على فتح ملفات تلك المشاريع ودراسة مناقصاتها وعقودها ومحاضرها ومخالصاتها ومن ثم تكليف مكاتب هندسية لها خبرتها وسمعتها للوقوف على كل منها وإبداء الملاحظات والتوصيات حولها، علينا أن نؤسس لمرحلة جديدة من الصرامة والضرب بيد من حديد لكل من يخون الأمانة ويستهين بمقدرات الدولة وأرواح البشر.
لن نفقد الأمل في الوصول إلى ذلك اليوم الذي تختفي فيه تحذيرات الأرصاد وننعم ونتجول بكل فرح تحت زخات المطر، خاصة وأننا نعيش عصر الحزم، وسننتظر منذ اللحظة تحليق طائرة المحاسبة الشديدة في أجوائنا الملبدة بالغيوم.