-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
استقبلنا عاما هجريا جديدا تشع معه ذكرى الهجرة النبوية الشريفة بضياء الحدث العظيم ودروس متجددة لا تنضب ولم تنته، وما أحوج مجتمعاتنا اليوم وقادم السنين والأجيال إلى النهل من النبع الصافي لديننا الإسلامي الحنيف ومواسم الخير وهي كثيرة في العبادات وأخلاق المعاملات، وروح وعزيمة الجهاد الأكبر ، جهاد النفس ضد آفاتها وصغائرها التي تنخر وتنهش في منظومة قيم عظيمة طالما منحت نسيج أمتنا زادا أخلاقيا وإنسانيا قبل أن تقذفه العولمة بسهامها.
أمتنا وأوطاننا ومجتمعاتنا تتعرض لمخاطر جمة بأشكال مختلفة ومعقدة، أخطرها الفكر الضال مصدر كل شر وبلاء والإرهاب الغادر من جماعات مجرمة تعيث في الأرض فسادا وإفسادا. لذا مجتمعاتنا بحاجة إلى استدعاء روح الهجرة باليقظة والتمسك بقيمنا وصحيح ديننا السمح. إنها قضية أساسية تدعو الجميع إلى التدبر لاستعادة دور الأسرة والفرد وإحياء رسالة مؤسسات المجتمع التربوية والدعوية لمعالجة آفات وأدران متزايدة، وإصلاح الدور الاجتماعي في ترسيخ روح التعاون والتوكل والجدية والإخلاص، ولفظ الإثرة والاتكالية والإهمال.

في العالم الواسع شعوب ومجتمعات تصالحت مع قيمها الحياتية ولو كانت مادية، لكنها احترمت الانضباط الذاتي والقوانين والأنظمة ، وتتنافس على المستقبل، ولم يعد لديها وقت حتى تضيعه في ما لا طائل منه، ويشغلون أنفسهم بالعلم والعمل والإبداع والابتكار ويصدرونه دون أن يكونوا أسرى له، بينما مجتمعاتنا غارقة لأذنيها ورأسها في العالم الافتراضي، وكل يغني على ليلاه في فنون إهدار الوقت، فضاع حق العمل وحق العلم وحق الأسرة، وحتى حق الأبدان، ولو تدبرنا قليلا العبادات وشروطها سنجدها المدرسة الأولى والأهم في بناء النفس واتزانها بصفاء القلوب وصواب السلوك والإخلاص، فلماذا هذا الانفصام بين العبادات والحياة.
مع العام الهجري الجديد نتبادل التهاني والتبريكات والتمنيات والدعوات بالخير، لكن علاقتنا بهذه المناسبة تبدو وكأنها مجرد طي آخر ورقة في تقويم سنوي انتهى ونستبدله بالجديد على مكاتبنا وفي منازلنا، لتمضي ساعاته وأيامه أمام أعيننا على أجهزة الحاسوب والهاتف في أيدينا ، وإهدارها دون وقفة جادة مع النفس نحو هجرة إيمانية صادقة تثمر العمر وتصحح أخطاء استشرت وعادات حياتية سلبية كثيرة استجدت وأرهقت الأبدان وتربك الأذهان وتشوه النفوس، وتزيد من المشكلات الاجتماعية وتقوض دور الأسرة والمجتمع حتى باتت المهمة صعبة على الجميع، بعد أن سلمنا مفاتيح العقل والوقت والتنشئة التربوية نفسيا وذهنيا للساحر الإلكتروني والفضاء المفتوح، فكثر الكلام والتقول والفتن ونقص الفهم والوعي والعمل.
نستقبل عاما جديدا وقد ودعنا من قبل أعواما مثيلة مضت من الأعمار وتتوالى معها الأجيال وموجات التغير والاهتزازات القيمية. الواقع يقول إن الجميع يشكو تغير النفوس، وأمامنا إحصاءات الجريمة التي تـضمنها تقرير وزارة الداخلية قبل أيام وإن شهدت تراجعا نسبيا لجهود الأجهزة الأمنية والرقابية المعنية، لكن الأرقام والواقع عامة، لاتزال تخبرنا بأمراض أخلاقية من اعتداءات على النفس وسطو وعقوق ونسبة طلاق مرتفعة، ومحاولات تهريب لمخدرات وأسلحة، وفي الأسواق حدث ولا حرج من جشع وانتهازية، وغش في سلع وأدوات غاب منها الأصلي الآمن وغمرتنا المقلدة وضعيفة المواصفات، وكأنها تعكس حال الإنسان اليوم وما وصل إليه من تشوه.
صحيح أن إنسان العصر حقق عبقرية التطور ، لكنه جنوني النزعة العولمية، وتنبهنا أخطاره إلى ضرورة استعادة الدور المتوازن للإنسان والحضارات، فهل من وقفة صادقة تحدد ما سنسطره هذا العام في صفحات الحياة وصحائفنا التي نلقى الله عليها، نسأله سبحانه أن يجعل هذا العام أفضل من سابقه وكل عام والجميع بخير.