-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
مولات وبقالات ومطاعم ومحلات في كل نشاط، صغيرها وكبيرها، قديمها وحديثها، باتت تنهش في المستهلك بأنياب الغلاء، وللأسف بيانات مصلحة الإحصاء لا تفيد المستهلك في شيء ولا تنفعه بهللة، ولا تعبر عن استنزاف الجيوب لأنها أرقام تخص الوكلاء والمستوردين وتجار الجملة الذين يؤثرون في الأسواق وتستمع لهم الوزارة وتدعمهم الغرف التجارية.
أما السوق (المفرق) الذي يهم المستهلك النهائي للسلع فلا حياة لمن تنادي أمام طوفان الغلاء والجشع البشع، ولم يعد تحديد الأسعار طبقا للتكلفة وهامش الربح، إنما حسب الأسعار السائدة وهي في تصاعد دون تراجع كعقارب الساعة التي لا تعود إلى الوراء.

حقيقي الناس تعبوا، وفي نفس المستهلك غصة ومرارة من هذا التوحش، ويتمنى لو يشرح له المسؤولون المختصون معنى (حمايته) من الغلاء، إن كان لذلك معنى في الواقع. ويتساءل المستهلك: أين أجهزة الرقابة وحماية المستهلك؟ وكم مسؤولا عنها، وكم موظفا، وكم مراقبا، وكم من الميزانية لها، وما جدوى كل ذلك إن لم يكن له أثر؟ ومع استمراء هذا الغياب فإن الشكوى لغير الله مذلة و(من لا يرحم لا يرحم) كما قال نبي الرحمة المهداة صلوات الله وسلامه عليه.
ما أكثر الأخبار والتصريحات التي تثير ضيق المستهلك، ولسان حاله يقول (اسمع وأقرأ كلامك أصدقك، أشوف حالي احتسب) فاستفحال التضخم واتساع منظومة الغلاء غير المبرر والمسكوت عنه، أدخلا شرائح واسعة في دائرة المعاناة وبعضها في شريحة الفقر بسبب الجشع الذي لا يجد من يردعه ولا يضبط إيقاعه على الأقل.
في أحد المطاعم تناولنا وجبة عائلية، طبق السلطة الخضراء الواحد بـ18 ريالا عبارة عن حزمة صغيرة من الجرجير وشريحتي بصل، والله يحب المحسنين، أما أسعار طلب لحوم أو مأكولات بحرية فحدث ولا حرج. وهذه ليست الحالة الأولى ولا الأخيرة، ولا هو المطعم الوحيد في ظاهرة الجشع، والأسعار لا تراها إلا بعد أن تجلس، ولا بد أن تأكل مهما كان الثمن، بينما في الخارج (المتقدم) المطاعم أفضل مستوى ويضعون القائمة في المدخل، ويحترمون حق المستهلك حتى في السعر، وكأنهم يطبقون (القناعة كنز لا يفنى).
يا وزارة التجارة وأجهزة الرقابة وحماية المستهلك: الأسعار في العالم تخضع للعرض والطلب صعودا وهبوطا، لكن لدينا جشعا لا حدود له، حيث لا رقيب له ولا حسيب، وكأن أنشطة التجارة لم تعد بابا للرزق وتبادل المنافع، وإنما الاستغلال في أبشع صوره. فالسوق لم يعد (سمحا) وتوحشت أهدافه، والمستهلك ضعيف ولا يجد من يحميه طالما أعين الرقابة غافلة، وعين الله لا تنام، عن ضرر بلاء الغلاء الذي يستشري، وحتى الخبز طاله التغير بأشكال أخرى رغم الدعم لحصص الطحين.
نعلم أن وزارة التجارة معنية بتوفير السلع لاستقرار الأسواق، لكن هل استقرت؟ وهل السوق الحر في اتجاه واحد ولمصلحة طرف واحد؟ أم العيب في المستهلك ويستاهل أكثر لأنه لا يرشد طعامه وحاجاته، دون ترشيد التجار لمكاسبهم؟! فمؤشر الأسعار في ارتفاع وحق المستهلك ضائع وباعتراف الجميع بمن فيهم جمعية حماية المستهلك، التي أقرت مؤخرا بأن (الأسعار العالمية انخفضت دون استجابة السوق المحلية).
ماذا نسمي ذلك، ومن يفسر ويفكك لنا هذا اللغز المحير؟! وهل اختزلت الجهات المسؤولة مهامها في تلقي شكاوى المستهلكين، وكم منهم يشتكي؟ ألا يلتهم هذا الغلاء قدرة المجتمع ويضعف مستوى معيشته، وبالتالي هي قضية ملايين المستهلكين وتستحق استنفارا مخلصا عاجلا لضبط السوق، والله المستعان.