-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
شكل الحكم الإسلامي لا يجد تحديدا: هل هو خلافة، أم ملكي، أم أميري، أم رئاسي، فما كان للإسلام أن يركز اهتمامه في «المتغيرات»، فهو دين «الثوابت» ومن ثم حدد الإسلام جوهر الحكم وأسسه ودعائمه، ولم يحدد لنا شكله، فالمضامين ثابتة باقية، والأشكال ذات علاقة وثيقة بالزمان والمكان، فمن الأمم والشعوب ما تستقيم به أمورها بنظام ملكي، وأخرى لا تستقيم إلا بنظام رئاسي، وهكذا وعليه، فإن تحديد شكل الدولة ونظام الحكم فيها يدخل في قاعدة حكيمة بليغة أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبارة موجزة: أنتم أدرى بأمور دنياكم.
اجتهدت بالبحث في كتاب الله وسنة نبيه لعلي أجد مبررا لمن ينادي بدولة الخلافة، فلم أجد. أي خلافة يزعمون؟ وأي خلافة يريدون؟ أهي الخلافة الراشدة، وقد قتل فيها ثلاثة من أربعة لا مجال للتشكيك في عدلهم وتقواهم ودينهم وورعهم واستقامتهم ؟ أم هي خلافة بني أمية أو بني العباس، وكلنا يعرف – كذلك – ما شهدته هاتان الخلافتان من صراعات دموية ؟

العبرة إذن ليست بمسمى نظام الحكم، وإنما بفحواه وتطبيقاته على الأرض، وحال عباد الله فيه، فما الفائدة أن تسمى دولة بدولة الخلافة.
تذكرت هذا كله، وربطته بما يدور في العالم وما يسوده، إذ أن هناك ممالك ناجحة، بغض النظر عن الجاني الديني، وهناك دول ذات نظام جمهوري ناجحة كذلك، وأخرى شمولية شيوعية، وهي تبدو أمام العالم متماسكة وقوية.
هذه التداعيات الفكرية، هاجمتني وأنا أقرأ منذ أيام ما أعلنته وكالة أنباء الإمارات عن بدء محاكمة 41 شخصا في أبو ظبي، بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، والسعي لإقامة «دولة خلافة»، هذه المجموعة التي أطلقت على نفسها مسمى «شباب المنارة» وسعت إلى الإطاحة بالسلطة، وإقامة دولة خلافة إسلامية حسب زعمهم.
هؤلاء، وغيرهم كثيرون في بلداننا العربية والإسلامية، دمروا وأبادوا وقتلوا وسفكوا دماء الشباب والشيوخ والنساء والأطفال تحت زعمهم بإقامة «دولة خلافة» وإن لم يبينوا لنا أي خلافة يعنون ؟!
فهل قامت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، بالسيوف والتخريب والتدمير للحياة البشرية، حتى عندما انتشر نفوذ هذه الخلافة في بلاد الوثنيين والكفار ؟ إن بقاء آثار الفراعنة وما فيها من مظاهر يرفضها الإسلام لدليل على أن مدعي الخلافة في عصرنا قد ضلوا وأضلوا، وما سلوك داعش وجبهة النصر وأنصار الشريعة وأنصار بيت المقدس إلا خروج على دولة الخلافة الراشدة التي نعرفها في تاريخنا الإسلامي.
إن الخلافة التي يزعمونها اتباع هذه التنظيمات الإرهابية، هي في اعتقادي «خلافة إبليس» الذي يسعى باتباعه إلى الهاوية والهلاك، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.