-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
سواء اتفق اثنان أم لم يتفقا على أن أجهزة التواصل الحديثة ذات فوائد أو أضرار فهذا لا يشكل أمام آراء الراجحين بالفكر والمثقفين في الحياة الاجتماعية وأضرارها وفوائدها أدنى درجة، حيث إن علماء الاجتماع أجمعوا بأن أجهزة التواصل قد تسبب شرخا كبيرا في الحياة الاجتماعية والأسرية وكذلك في العلاقات الإنسانية مع الآخرين.
إذ إننا نرى بأن هذه الأجهزة أصبحت وبالا ذات عمق استراتيجي لإفساد البيئة الاجتماعية المتحابة، وقد يقول قائل: إنها ذات فوائد وهذا لا ينكر أيضا، إذ هي تقضي حاجات الناس في المحادثات أو في الحاجات الاقتصادية وكذلك في الحياة العملية وجميع جوانب الحياة المختلفة، إلا أن الذي أتحدث عنه هو الحياة الاجتماعية. فقد تجد ابنا يكون بين أسرته ( أمه وأبوه وإخوته ) ويتحدثون في حياتهم الأسرية ومستقبلهم, فتجد أن الابن منصرف عنهم فكريا وذهنيا، ولم يبق إلا جسده وإذا تحدث أبوه أو أمه لسحبه إليهما تجده كأنه خارج من غفوة، مما يدل على سلب فكره مع هذه الأداة، وقس على ذلك أبناء وبنات يجتمعون لدى والديهما مرة واحدة في الأسبوع وما أسسوه من وصل رحم لأب وأم ويشترك معهم هذه الأداة لإشغالهم عن إدخال السعادة والسرور لآبائهم بملاطفتهم حديثا وتقربا واستثناء برأيهم إلا أن هذه الأداة حرمت الابن من أبيه وأمه.

وأذكر حادثة لامرأة يأتيها أبناؤها لزيارتها فتطلب منهم إغلاق جوالاتهم وتسليمها لها وعند انصرافهم تسلمها لهم قائلة لهم أريد مشاعركم وأريد حناني لكم.
يقول أحد الأصدقاء استدعيت أحد أحبتي القديمين ليتناول معي وجبة العشاء، فحضر بجسده، فمن دخوله حتى خروجه لم أتحدث معه بحديث مفيد، وكانت يداه وعيناه منشغلات بهذا الجهاز، فخجلت أن أطلب منه ترك هذا بعدما طلبت منه مرتين فأحسست بألم شديد، فهو عندي ويحادث شخصا آخر فقلت له استدعِ لنا صديقك هذا ليتحدث معنا ونتعارف أو أبقى معي وتلتقي به مرة أخرى، إلا أنه أعطاني بنظرة بطرف عينه توحي بتذمره فتراجعت في الحديث، كما ذكرت خجلا.
فإلى هذه الدرجة أصبحت وسائل التواصل خطيرة جدا على بنية المجتمع وتماسكه ووحدته بسبب انشغال الناس بأمور قد تكون تافهة وقد تكون فيها النميمة.. والله أعلم.