-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
الإرهاب سيئ المنبت خسيس الأهداف في فكره الظلامي ودناءة جرائمه، مثلما هو دائما جبان في مكره وتحركاته، ويستهدف في الأساس الأرواح والنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، والإرهاب يقترن بالغدر؛ لذا يتسلل كالحيات حتى ينفث سمومه وينفذ جرائمه النكراء، وتلك هي طبائع عناصر وجماعات الشر والمفسدين في الأرض، لا دين لهم ولا وطن ولا ضمير لهم ولا إنسانية.
في المقال السابق، تناولت خطة التعليم المنتظرة للتحصين ضد الفكر الضال، وتمنيت لو أنها جاهزة لانطلاقتها عمليا، وقد حدثت منذ أيام جريمة التفجير في مسجد قوات الطوارئ ووقوع هذا العدد من الشهداء الأبرار، وهذا المستجد من الإرهاب الأسود اليائس المتربص يفرض الانتقال إلى ما هو أكثر من الشجب، بمراجعة أسرية ومجتمعية عاجلة، وتحرك من مؤسسات الدعوة والتربية وتشريح إعلامي لطبيعة الإرهاب المتربص، إنها معركة كل الوطن وليس أجهزة الأمن وحدها.

فخطر الإرهاب يتمدد في دول عديدة بالمحيط العربي والإسلامي، وهذا جرس إنذار للأسرة وللمجتمع في عالم تتسارع وتتنامى فيه فتن شبكات التواصل وجيوش إلكترونية مجندة لغسل العقول واصطيادها بعد التغرير بها، وهذه هي قضيتنا الأولى كأسرة ومجتمع ومؤسسات تربوية، بالتوازي مع الجهود الأمنية النوعية.
لا بد أن يلمس كل فرد بحراك تقوية جذور الوعي ويسهم فيه لحماية الأبناء وبلادنا من مصائد وجرائم جماعات إرهابية مجرمة. فقد حان الوقت حقيقة لاقتران الشجب وتأكيد اللحمة الوطنية، بيقظة جادة وفورة في التوعية وتكامل المسؤولية من الجميع، وهذا ليس بالصعب إذا تحمل كل إنسان مسؤوليته من اللحظة، وأدرك ما عليه من واجبات وفطنة لما يحاك لنا ومن تنظيمات بالمنطقة حولنا وخلايا نائمة بيننا.
بطبيعة الحال، الأسرة هي الأقرب لأبنائها، ولا مبالغة في القول بأن كثيرين غافلون ومشغولون ويغطون في النوم، بينما أولادهم مختطفون على الإنترنت، ولا يلفت انتباه الأسرة أي تغير نفسي وذهني لديهم، ولا في الكلام والتحركات والغياب والمظهر الذي يكشف بسهولة (المتخبي). وما يؤسف له أن شبكات التواصل أصبحت ساحة لحروب الأفكار، وتفرغ كثيرون لإشعالها حتى أصبحوا وقودا لها، وهي فرصة ذهبية لخبثاء الفتن والتدمير الذاتي للشعوب ومروجي الفكر الضال، حتى أصبح من السهل رمي الطعم لمعارك جدلية عقيمة تؤدي في النهاية إلى فتن دينية ومذهبية يستغلها مروجو الإرهاب.
وسط هذه الفوضى لم يعد غريبا أن يتجرأ بعض صغار السن وكباره من العامة بالكلمة الخبيثة، حتى تفشت لغة الكراهية والبغضاء والسباب بأقذع الألفاظ، ليس على خلاف في الرأي، وإنما لمجرد أن الكلام لا يعجبهم، وأصبح من العادي جدا إعجاب الشخص بسلاطة لسانه، ووسط تتدفق السموم الأخطر من شبكات الفكر الضال والإرهاب لجذب فرائسها إلى أطباقهم المسمومة بالتحريض على أوطانهم ومجتمعاتهم، إلى أن يتحول منهم البعض إلى قنابل وألغام موقوتة.
نحمد الله على بسالة العيون الساهرة، ورحم الله شهداء الوطن ضحايا الغدر، ومن فضل الله جسدنا الوطني بخير وعافية ويزداد تماسكا، لكن للوطن حقوق على الجميع بالعمل الجاد والإسهام في صون نعمة الأمن بالوعي الحقيقي العملي، وعدم ترك الحبل على الغارب لحدثاء الأسنان، واليقظة لشرور من يستهدفوننا بالغدر. ومفتاح الوقاية الأول يكمن في الأسرة وكل جهة تتعامل مع الناشئة، حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود بوضوح عند الأجيال وتكون منعتهم قوية. حفظ الله بلادنا من كل شر وسوء، ورحم شهداء الوطن، وأنعم على المصابين بعاجل الشفاء.