-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
فساد الأخلاق أساس كل داء ومنبع كل شر وبلاء، والتحرش أحد فساد وعطب أخلاق المتحرشين الذين ليسوا بالضرورة أن يكونوا مراهقين أو شبابا من الجنسين، وإنما يفعلها أكبر منهم سنا وأصغرهم عقلا وضميرا. أما مظاهر التحرش الخفي منه والعلني على رؤوس الأشهاد فهي عديدة وحدث ولا حرج فيها في أي مجتمع.
قد يقول قائل إن قضية التحرش استثناءات هامشية، وإن تداولها بالنقاش وتضخيمها يظهـر مجتمعنا وكأنه يعاني من ظاهرة الذئاب البشرية وليس كمجتمع محافظ حارس للفضيلة والأخلاق العامة. هذا الرأي وإن كان له حجته ومنطقه، ربما كان مناسبا لعقود مضت عندما كان المجتمع أكثر مسؤولية عن الأخلاق العامة، ومعاني (الخصوصية) لكن المجتمع يتغير بسرعة في كل شيء منذ طوفان الإعلام الفضائي وصولا إلى ثورة تقنيات الاتصال، وتراجع دور المجتمع في زجر المتحرش فتجرأ المتجاوزون على مرأى ومسمع من الناس، فيما بعض الأسر لا يشغلها كثيرا انضباط ابنها في مظهره وألفاظه وأفكاره وسلوكه.

في الفترة الأخيرة وقعت أكثر من قضية تحرش تحقق فيها الجهات المعنية بعد أن أثيرت صحفيا وإعلاميا واحتدمت على شبكات التواصل، وانتشرت كالبرق برسائل الواتس وغيره، والبركة في كاميرات الجوالات واليوتيوب الراصدة للطريف والعجيب من المواقف والغريب والبشع والمشين من السلوك ومنه التحرش، وهكذا هي تقنيات الاتصال والتواصل سلاح ذو حدين، في نهار اليوم وسكون الليل.
قبل عام تقريبا أدرج مجلس الشورى نظاما لمكافحة التحرش ولم يناقش بدعوى إخضاعه للدراسة والمناقشة، ثم دخل طي النسيان أمام قضايا وموضوعات أكثر إلحاحا طردت نظام التحرش من الأدراج وفق قاعدة (الأهم فالمهم). وبالتالي لكل حادث حديث عن التحرش، وقد وقعت حوادث واشتعل الحديث لكنه لم يستحق بعد، ولو نظرة من المجلس الموقر.
عموما مضى عام وجاء آخر وانتهى الأمر، ولم تتنه حالات التحرش ولن تنتهي، والحكمة تقول «من أمن العقاب أساء الأدب»، وكأننا دائما لا تهـزنا ولا تحركنا المشكلات الصغيرة ثم تصبح عادية إلى أن تقع الكبيرة، وحدث هذا في أمور كثيرة لم توقظنا من الغفوة إلا عندما تستجد خطوب وحوادث تخلف مآسي. طيب لماذا لا نضع المثالب اللاأخلاقية موضع أهمية القضايا المادية، فليس فساد المال والذمم رغم خطورته أهم من فساد الأخلاق فكلاهما طينة واحدة!
أحداث التحرش والخلل في الأخلاق العامة حتى وإن كانت حالات فردية هي من يسيء لمجتمعنا، والأنظمة والقوانين الرادعة هي التي تحفظها من الانتشار والتجرؤ على هكذا أفعال، وتوفر الأمان بنسبة أعلى بالحد من المضايقات والبذاءات والترقيم وغيره من مظاهر البلاء في الأخلاق.
بعد تلك الحوادث والرأي العام كنا نتمنى لو بادر مجلس الشورى بإظهار مشروع مكافحة التحرش وطرحه للنقاش تحت قبته، وأن يستمع للحوار المجتمعي، ففيه الكثير من صواب الرأي الذي يفيد العديد من القضايا العامة. كما أتمنى أن تكون مشكلات التحرش والأخلاق عامة ضمن برامج قنواتنا الفضائية واهتمام صحفنا.
التوعية والتثقيف القيمي لا يعني تشويها بقدر ما يعكس وعيا وحرصا على الصالح ومعالجة الطالح حتى وإن كان استثناء، فمعظم النار من مستصغر الشرر، والوقاية بالوعي والردع ليظل مجتمعنا بخير في مسؤوليته تجاه صلاح الأخلاق كالحرص على صلاح الذمم. ولنتذكر قول الحق تبارك وتعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) وقوله صلوات الله وسلامه عليه (أدبني ربي فأحسن تأديبي) وقول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا
نسأل الله تعالى أن يبارك في وعي مجتمعنا بحراسة الفضيلة وكل قيمنا القويمة..