-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
قد لا يقل خطر الجهـل بالدين عن خطر الكفر به، نعم، وهذا ما نراه على الساحة في الكثير من الأحداث الجارية حولنا، التي لا نستطيع الفكاك منها، وعدم التعليق عليها، طالعتنا وكالات الأنباء العالمية نقلا عن شهـود عيان في مدينة الموصل العراقية بأن تنظيم داعش الإرهابي الإجرامي قد اعتقل ستة من أئمة وخطباء مساجد متفرقة في الموصل، واقتادوهم إلى جهة غير معلومة، وقال شهـود العيان إن عملية الاعتقال قد تمت بعد أن طوقت مدرعات هذا التنظيم المساجد واعتقلت الأئمة بتهمة «إقامة صلاة التراويح» وكان هذا التنظيم المختل دينيا وعقليا وسلوكيا، قد أعلن منع إقامة صلاة التراويح، بل ومحاسبة مقيمي هذه الصلاة، على اعتبار أن صلاة التراويح «بدعة »..
أي خلل فكري وعقدي هذا؟! صلاة التراويح التي سنها لنا النبي صلى الله عليه وسلم، وأداها المسلمون في حياته وبعد مماته حتى يومنا هذا، في ربوع العالم كله، أصبحت بدعة في عرف، بل في ملة هؤلاء الخوارج. نعم، كان المسلمون يصلونها فرادى حتى جاء عمر بن الخطاب، ودخل المسجد ذات ليلة، ورأى المسلمين ينتشرون في ربوع المسجد، كل يصلي وحده، فرأى جمع هؤلاء على إمام واحد، لينال هؤلاء المصلون ثواب إقامة السنة، وثواب الجماعة، وورد عنه أنه بعد أن رأى هذه الجموع تصلى تحت إمام واحد، قال: نعمت البدعة هي.

المشكلة عند الدواعش أنهم يعتبرون كل ما يخالف فهمهم للدين بدعة، وإلا فهم مبتدعون في كل سلوكياتهم، حيث يلبسون ملابس لم تكن من ملابس النبي وصحبه، ويحاربون بالمدافع، ويركبون السيارات، التي يقتلون بها عشرات الآلاف، وهذه لم تكن من وسائل حرب المسلمين الأوائل، ماذا عن الساعات الثمينة التي يلبسها قادتهم، والقناطير المقنطرة من اليورو والدولار، وتهريب السلاح، وسرقة البترول وبيعه، وترويع الآمين، وقتل البشر، وقلع الشجر، وتدمير الحجر!.
لم نسمع أن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قد دمر أهرامات مصر، أو جدع أنف تمثال أبي الهول، أو هدم كنائس النصارى، أو معابد اليهود، هو والمسلمون الفاتحون لمصر، بدليل بقاء كل هذه المظاهر المخالفة لمعتقدات المسلمين. الآثار الفرعونية الوثنية، والمعابد الرومانية والآثار القبطية تملأ ربوع مصر، وكذلك تتناثر بعض معابد اليهود في كثير من مدن مصر، ولم يقم المسلمون الفاتحون بتدميرها، أو حتى الاعتداء عليها، ولو فعلوا ذلك لسجل أصحاب هذه الآثار تلك الاعتداءات، للتشهير بأصحاب الدين الجديد. بينما فقهاء الدواعش، هدموا المساجد، وفخخوا المدن الأثريـة التي جعلها الله تعالى باقية لتكون عبرة.
صلاة التراويح ليست بدعة يا أيها الجهـلاء، فردية كانت أم جماعية، وقد أجمعت الأمة على ذلك وأدتها، ولا يمكن للأمة أن تجتمع على ضلالة، لكن المؤكد، أن بضعة آلاف من أمثالكم، قد اجتمعوا على ضلالة، وضلوا وأضلوا..