-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
رمضان موسم خير وصلاح وشهر التغيير العميق إذا صدقت النية والعزيمة، ودونهما لا يتغير الإنسان ما اعتاد عليه من سلبيات يضر بها نفسه قبل غيره، ويسعى بل ربما يصارع الحياة لتغيير أشيائه المادية الكبيرة منها والصغيرة وتكلفه الجهد والوقت والمال، لكنه لا يلتفت لعلاج ما علق في نفسه من أدران، ولا يكلفه ذلك إلا محاسبة النفس، وفيها راحة له ولغيره، وكما قال الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه «رب صائم ليس له من صيامه إلا الْجوع، ورب قَائم ليس له من قيامه إلا السهر».
فإذا كانت مدرسة الصوم عظيمة الأثر لمن أخلص العبادة والطاعات لله تعالى، فإن العبرة بالواقع عندما يصبر على أخيه الإنسان، بل صبره على نفسه؟. وهو شهر ضبط النفس والإيثار والتسامح، لكن الواقع يشكو من تزايد الإثرة والغضب في مظاهر حياتية كثيرة، ونظرة فاحصة لأعصاب البعض في البيوت وفي الشارع ومشاحنات أحيانا قبل لحظات الإفطار، تجد لديك حصيلة سلبيات تثير الأسى والأسف على ما أصاب الإنسان من استهتار يستوجب التصحيح.

ورمضان شهر الانضباط واحترام حق الغير، لكن مشاهد الخلل نراها في تجاوز طوابير الخدمات بالوساطات، والتجاوز الخاطئ على الطريق وتخطي الأرصفة، ورمضان شهر القناعة لكن أين هي مما يحدث في الأسواق من إسراف المستهلكين، حتى أن دولة أوروبية مثل بريطانيا، طبقا لإحصائيات اقتصادية قبل أيام، ارتفعت مبيعات متاجر الأغذية بها بنحو 100 مليون جنيه إسترليني خلال شهر الصوم بسبب استهلاك الجالية المسلمة.
تغيير السلوك يبدأ بتغيير العقول والقناعات وثقافة الإنسان في حياته، وقطعا لا نتحدث عن مجتمعات مثالية كاملة، فلا وجود لمثل ذلك، لكن المجتمع الحي تكمن إيجابيته في إرادته وقدرته على التخلص أولا بأول من سلبياته وآفاته الهادمة للأخلاق حتى يسعد بقيمه وترابطه والعكس صحيح، وكما قال الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لكن هل نلوم الفرد، أم نلوم الأسرة والقدوة ومؤسسات المجتمع المسؤولة عن تشكيل الوعي وترسيخ الأخلاق باحترام الأنظمة وقبل ذلك احترام الإنسان لنفسه عندما لا يقبل أن يكون سلبيا وغافلا ومتساهلا في الأخلاق والفضائل؟!
الأخطاء الصغيرة إن لم تعالج تكبر ويعتادها الناس، والحكمة تقول (داوِ جرحك لا يتسع) والأخطاء جروح كبيرة عندما تحدث من بعض الأجهزة الحكومية، كأن تسجل عليك مخالفة مرورية في غير محلها وتتدبل مع كل شهر، بينما رجال المرور لم يعد لهم ذلك الوجود الفاعل، وشركات ومؤسسات خدمية تمنع عنك الخدمة ولو لك الحق، وتطالبك بالسداد على طريقة (ادفع ثم اشتكِ وتظلم).
حالة الجشع في الأسواق تستشري بينما الرقابة نايمة في العسل، ورغم الشكوى فلا حياة لمن تنادي، وما نلمسه فقط هو التنافس بين الأجهزة الرقابية والخدمية على نشر أخبارها وتصريحات متحدثيها الرسميين عن إنجازاتها العظيمة.
أخيرا وليس آخرا نتحدث في الدين، ثم نبحث عنه في السلوك فلا نجد أثرا، إلا من رحم ربي، بينما في مجتمعات غير مسلمة تقدمت في ثقافتها الحياتية باحترام أنظمتهم في الشوارع والتعامل والخدمات وبشكل تلقائي وابتسامتهم في وجوه البشر، ومئات الآلاف منا يسافرون إلى تلك البلاد سائحين ودارسين ونحترم أنظمتها بانبهار، ثم نعود إلى بلادنا وقد تركنا ثقافة الالتزام، فلماذا وكيف نقول ما لا نفعل، ومتى وكيف نتغير؟.