-A +A
أحمد عجب
الروايات والأفلام العربية التي صدرت في السبعينات الميلادية كانت تعتمد في فكرتها وبنائها وتسلسل أحداثها على وجود شخص من الطبقة الكادحة يوقعه حظه العاثر ليكون الشاهد الوحيد على تفاصيل جريمة بشعة أو يصطدم بعصابة من الأثرياء يقوم أحدهم بإهانته فيحقد عليهم، ثم يكرس حياته بعد ذلك لتتبعهم وفضح خباياهم، حتى يأتي اليوم الذي يتصل فيه متنكرا بكبيرهم وهو في حفلة ماجنة ليقول له (انا عندي المستندات اللي توديكم في ستين داهية)، فتنحصر بعد ذلك الاحداث في محاولة استدراجه ومن ثم الوصول إليه وتصفيته!!.
في بلدنا لم تكن تعرف تلك الزوجة سبيلا يمكنها من خلاله إثبات الكلمات البذيئة والعبارات الجارحة التي اعتاد زوجها المتجهـم دائما على إطلاقها حين يكونان بين أربعة جدران، ولم يكن يعرف رئيس ذلك القسم كيف يمكنه إثبات التهـديدات الصريحة التي يوجهـها إليه ذلك الموظف المستهـتر وغير المبالي حين يستفرد به، ولم تكن تعرف تلك المراجعة أو ذلك المراجع للدائرة الحكومية كيف يمكنهـم إدانة المسؤول عنها وهو في كل مرة يتعامل معهـم بكل ازدراء وتعالٍ حتى يختمها في النهاية بالتلفظ عليهـم وطردهـم من مكتبه شر طرده !؟.

كل واحد من هؤلاء، لا بد أنه بذل كل المحاولات الودية من أجل استمالة واحتواء من اعتدى عليه في الخفاء وكل هذا من أجل دوام العشرة أو تحسين بيئة العمل أو لأجل الحصول على الخدمة المطلوبة، وقصر الشر، والنتيجة إمعان في الظلم وزيادة في التعدي، حتى عندما حاول كل منهـم اللجوء إلى الشرطة أو المحكمة لتقديم شكوى ضد من سود عيشته أو عطل مصالحه دون أسباب عجز تماما عن إثباتها بأي وسيلة لترتد عليه باتهامه من قبل المعتدي بتقديم (دعوى كيدية) الغرض منها تشويه سمعته والإضرار به !!.
مع الجوالات الحديثة بات بمقدور كل من هؤلاء المستضعفين الحصول على دليل قوي، إما برسالة نصية أو تسجيل صوتي أو مقطع فيديو، لكن المتنفذين في كل مرة يطعنون في مشروعيته، بحجة أن من يصور غالبا ما يكون مبيت النية (على حد قولهم) في حين أنه يمكننا قراءة الواقعة من زاوية أخرى، وهو أنه دليل على تعرضه قبل ذلك ذات الممارسة من نفس المسؤول ولأنه يعرف بأن أحدا لن يصدقه أو يأخذ بكلامه دون دليل عمد إلى فتح عدسة جواله ورمى بالطعم أمام الذي أعماه مزاجه المعكر عن رؤية المصيدة فطبت عليه!؟.
هذا المستند الوحيد (مقطع الفيديو) الذي يواجه هذه الأيام شتى أنواع المحاولات للوصول إليه وإحراق كرته بحيث لا يتم الأخذ به في أي قضية، كم أتمنى أن تتم دراسة الأنظمة التي تعارضه للوصول إلى صيغة تواكب الواقع الذي نعيشه بحيث تحافظ من جهة على حرية وخصوصية الإنسان في أماكن معينة، ومن جهة أخرى تمنح المشروعية للمتضرر دون اشتراط أخذ الإذن ليمارس حقه في التقاط المقاطع التي يمكنها أن تدعم شكواه، وفي النهاية لا نطلب التسليم هكذا بما يلتقطه، وإنما يقبل ويتم فحص المقطع فنيا ومتى ثبتت سلامته يتم إصادر القرار العادل بموجبه..